المنشور

فأ ل السنة الكبيسة .. ” شرق المتوسط”!!


تزامن حدثان إقليميان، ذوا بعد دولي، في آخر يوم من فبراير للسنة الكبيسة الحالية، وبدا كحدثين منفصلين لا رابط بينهما، كما جاء في وسائل الإعلام المختلفة!!.. جاء الحدث الأول في صباح ذلك اليوم حينما أعلنت تركيا عن إنهاء عمليتها العسكرية المتوغلة في شمال العراق وادعائها القضاء على معاقل حزب الـ  بي كي كي  PKKالكردية وذلك بقتلها 240 مسلحا مقابل فقدانها ل 27 جنديا تركيا، في حين ادعت مصادر الحزب الـمذكور، أنها قتلت 103 جنديا تركيا مقابل فقدانها ل 5 من عناصرها!  وقد اعترفت السلطات التركية على عدم تحقيق الكثير من أهدافها وذلك بسبب طبيعة المنطقة الوعرة في جبال القنديل الذي يشكل الملجأ الجغرافي الحصين للعناصر الكردية المسلحة والظروف المناخية السيئة بسبب الشتاء والثلوج ! أما الحدث الثاني الذي جاء في وقت ما من نفس اليوم ؛ الظهور المفاجئ للبارجة “كول” قبالة الشواطئ اللبنانية ، قادمة من مالطا متجهة إلى شرق المتوسط ، الأمر الذي فُُسّر من قِبل المراقبين أنه تعبير عن شيء ما في الأفق ، بل إشارة رمزية للسطوة الأمريكية المستجدة واستعراض للقوة، ضد القوى اللبنانية المعارضة وسنديها؛ سوريا وإيران وإنذار مبطن لحزب الله من مغبة إقدامها على شن عمل انتقامي / عدواني ضد إسرائيل وتضامنا مع الحكومة اللبنانية وضرورة الإسراع لاختيارها رئيس الجمهورية حتى ولو بأغلبية النصف زائد واحد، سوريا اعتبرت الحدث لا يساعد الوضع اللبناني المأزوم بل يعقد ويؤخر انتخاب الرئيس اللبناني بينما نبيه برّي اعتبر أن الهدف هو غزة  (مجزرة قادمة من قبل إسرائيل)..الخ. يبدو لي أن هناك خيط أوحتى خطة تربط الحدثين ولم يأت هذا التزامن صدفة،التي تندر أن تحدث هذه الأيام في أحد أهم ميادين اللاعبين الكبار، ألا وهي الساحة الأكثر خطورة والأكثر أهمية لمصالح الولايات المتحدة في الوقت الحاضر؛” شرق المتوسط” ! .. بودي أن أهمس في أذن القارئ الكريم بأن يحفظ في ذاكرته جيدا هذا المصطلح الجيوبوليتيكي الجديد/القديم فعسى أن تسعفه الأيام القادمة على معرفته- وقتئذ-  لجذور الأحداث المرعبة أوالترتيبات القسرية التي قد تراها منطقة شرق المتوسط، لنرتب في البدء  صور الأحداث، كورونولوجيا (متسلسل زمنيا)، قبل الخوض في ربطها وارتباطها ببعضها للوصول إلى لُبّ الموضوع ومحاولة تحليله بطريقة منطقية ومقنعة : 

  • استلام “الإسلام السياسي” السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية في تركيا بعد مماحكات طويلة مضنية وفي عملية غير مسبوقة من قبل.
  • دخوله في تجاذبات وصراعات مع الجيش ، حامي الجمهورية الكمالية المرتكزة على مبدأ الليبرالي العلماني ؛ فصل الدين عن الدولة ، وان كانت كلمة “العلمانية” غير دقيقة في الشأن التركي.
  • بدء استخدام ورقة “الحجاب” ودفع ” الإتاوة “-الرشوة- بالمقابل.. أي ضرورة إرضاء غرور العسكر القومي التركي بالتوغل في شمال العراق ، مع ضوء أخضر أمريكي ورضى ضمني عراقي بالرغم من انتهاك سيادة الدولة العراقية.
  • قصف القرى الكردية بلارحمة وبطريقة ليس لها علاقة بالأخوة الإسلامية التي من المفترض أن تربط الشعوب أو”الأمة” الإسلامية (حسب مصطلح الإسلام السياسي ) ومن ضمنها الشعبين التركي والكردي وهو الادعاء الذي تحسن استخدامه القيادة التركية الحالية والمدافعين عنها في “ديار” الإسلام وخارجها.
  • دفاع الأكراد عن  أنفسهم ببسالة  وتعقيد المشهد الحربي العسكري، حيث غاصت أقدام الجنود الجيش التركي عميقا  في  وحول كردستان.
  • اقتراب موعد ذكرى خروج آخر جندي أمريكي من بيروت. !!
  • تصريحات الساسة الأمريكيين وانتقاداتهم- الملطفة – لتركيا في الأسابيع والأيام الأخيرة وانتقاداتهم اللآحقة– الشديدة- لذلك التوغل ووجوب الإنتهاء من العمليات العسكرية بأسرع ما يمكن.
  • تصريحات تركية مضادة، غامضة وملتبسة، مليئة بـعبارات قادمة من قاموس “العزة القومية” واستقلال القرار التركي، التي انتهت جميعها لرضوخ تركيا لأمريكا.
  • علاقة ما يجري وجرى بالوضع اللبناني المعقد و مقتل “عماد مغنية” في نفس يوم هبة الاستقلال 14 فبراير، الذكرى الثالثة لمقتل رفيق الحريري !
  • ربط هذه الوقائع بالأحداث في غزة والعدوان الهمجي الإسرائيلي ، الجحيم الذي تسببت في صنعه “حماس” لهذا الشعب المغلوب على أمره، نتيجة تحديها وإصرارها العدميّيْن لاستمرار إطلاق الصواريخ “العبثية” على إسرائيل (حسب تعبير أبومازن.)
  • حامل مفتاح البرلمان اللبناني؛ نبيه بري، المستمر في لعبته “الماراثونية”، أرجأ مرة أخرى  جلسة البرلمان إلى 11 مارس الحالي ، أي قبيل مؤتمر القمة العربية ومن المرجح أن يرجئ الجلسة أيضا  في يوم 11 الشهر الحالي – أو قبيله- إلى موعد آخر بعد القمة.  
  • حلول يوم 29 فبراير يوم السيناريو؛ متن موضوع هذا المقال.
  • مؤتمر القمة العربية سيعقد بمن يحضر في نهاية هذا الشهر في دمشق ، حسب الإعلان الرسمي للدولة المضيفة سوريا.
  • من الاقتراحات المهمة التي سيُُبتّ فيها في القمة القادمة ، بجانب الملف اللبناني والفلسطيني استبدال المؤتمر السنوي لينعقد كل ثلاث سنوات . بينما الملف العراقي يتراجع أهميته نتيجة الإستقرار التدريجي والتعافي النسبيّ للوضع في العراق.
  • لقاء وزراء الخارجية العرب، الممهد للقمة، يختتم أعماله بدون الوصول إلى رأي قاطع بالنسبة لعدد الدول التي ستحضر، مستوى التمثيل أو الموقف الفعلي والإشكال التي سيحدث من جراء عدم الوصول إلى رئيس لبناني توافقي قبل موعد القمة.
  • إعلان أمين عام جامعة الدول العربية من أن لبنان سيحضر القمة إما برئيس منتخب أو بحكومة السنيورة.
  • الأيام حبلى بما قد يأتي، حيث أن الاستحقاق الرئاسي اللبناني لابد أن يحل آجلا أم عاجلا، ولا أحد يعرف بالضبط ثمن ذلك.!


لعل القارئ الكريم  يشاطرني الرأي من  أن كل بند عبارة عن ملف خاص ، في حاجة إلى شرح مستقل.. ولكن ألا تتفقون معي أن الملفات جميعها  في “شرق المتوسط ” متداخلة إلى درجة لا يمكن طرح ملف على حدة بدون الإستعانة بالآخر. و لعل أهم المعطيات هو أن نتفق أن هناك –الآن- أربعة لاعبين كبار ، أساسيين دوليين وإقليمين ليس بينهم دولة عربية واحدة، وهم أمريكا /إسرائيل/إيران/تركيا. رمزية هذان الحدثان وتوقيتهما غامضان حتى الآن وإن يبدو واضحا الدور التركي المرتقب كعنصر متوازن كونه حليفاً أساساًً للولايات المتحدة الأمريكية سواء فيما يتعلق بالوضع العراقي (في حالة الانسحاب الأمريكي)، يقابل الدور الإقليمي الإيراني المتزايد و كبح جماحه (الهيمنة على الجيب/الشريط الشيعي والبرنامج النووي) أوبالطموح الكردي من مغبة تجاوز مشروع الاستقلال الذاتي في العراق بجانب الوضع الأفغاني الهش ومجمل منطقة شرق المتوسط ، لبنان/سوريا/إسرائيل/السلطة الفلسطينية في الضفة والقطاع .. بمعنى أن ترتيب ما قادم، سيكون من شأنه تعزيز الدور التركي -كما أسلفنا – وقد يكون شكلا آخر مستحدث ، معدل من البرنامج الأمريكي ؛ “مشروع شرق الأوسط الكبير”والذي قد ينفذه –عمليا- الرئيس المرتقب “ماكين” (إن اختاره المتنفذون الكبار) ممثلا للاحتكارات والكارتيلات الأكبر نفوذا في أمريكا وتخومها ، بترتيب-من الداخل- من قِبل الحزبين المتصارعين في الولايات المتحدة الأمريكية! نكتفي بهذا القدر على أن تكون لنا وقفة أخرى، أكثر تفصيلية في الأسبوع القادم.
 
صحيفة الوقت
9 مارس 2008