المنشور

ميول متناقضة

أكثر من ‮٠٤‬٪‮ ‬من سكان أقطار الخليج هم دون الخامسة عشرة من العمر،‮ ‬ينشأون في‮ ‬ظروف مختلفة،‮ ‬بحيث لم‮ ‬يحدث أن رأينا هذا التضاد العميق في‮ ‬المؤثرات الثقافية والنفسية على المجتمع،‮ ‬كما في‮ ‬انعكاسها الحاد على هذا الجيل،‮ ‬خاصة إذا ما لاحظنا أن أوساطاً‮ ‬كثيرة منه تتلقى خبراتها وتعليمها خارج الموروث والثقافة التقليدية‮.‬ والأبلغ‮ ‬من هذا،‮ ‬أن هذا الجيل لا‮ ‬ينشأ ويتشكل وسط مجتمعات مستقرة في‮ ‬بيئتها السكانية على الأقل،‮ ‬إذا ما تذكرنا دائما النسبة الأكبر من العمالة الأجنبية في‮ ‬مجتمعات الخليج،‮ ‬والاعتماد الذي‮ ‬يكاد‮ ‬يكون كلياً‮ ‬عليها في‮ ‬عملية التنمية‮.‬ وهي‮ ‬حقيقة أنشأت مع الوقت سيكولوجيا مرضية في‮ ‬المجتمع،‮ ‬ترفض العمل اليدوي‮ ‬أو تنظر إليه باستخفاف ودونية،‮ ‬بحيث إنه إذا فكرت الدول في‮ ‬مشاريع لتدفع بأبنائها الى المشاركة الفعالة في‮ ‬الاقتصاد؛ فإنه‮ ‬يتعين عليها تغيير المفاهيم السائدة تجاه هذا العمل‮.‬ بعض من درسوا سمات تكوين فئة وسطى جديدة في‮ ‬الخليج،‮ ‬لاحظوا أن هذا هو التغيير الأجدر بالعناية في‮ ‬بلدان المنطقة،‮ ‬وهو أمر‮ ‬يمكن الموافقة عليه خاصة إذا ما لاحظنا أن تعميم التعليم والتعليم الجامعي،‮ ‬وتوفير فرص التوظيف للخريجين،‮ ‬قد وسعا قاعدة فئات هذه الفئة،‮ ‬التي‮ ‬وإن بدت على شيء من التناقض أو التنافر في‮ ‬ميولها إلا أنها ستظل تمثل قاعدة التحديث وسنده‮.‬ تتنازع الجيل الجديد أفكار شتى تتراوح بين التزمت والانغلاق،‮ ‬وبين الانفتاح،‮ ‬لكن مع ملاحظة أن انفتاح هذه المجتمعات على العالم بسبب طبيعة اقتصادها القائم أساسا على سلعة النفط،‮ ‬وامتلاكها لسوق استهلاكي‮ ‬واسع،‮ ‬والأثر الذي‮ ‬يلعبه انتشار وسائل الاتصال الحديثة فيها،‮ ‬إضافة إلى تبلور فئات من الانتلجنسيا الثقافية والكوادر الإدارية والتقنية التي‮ ‬تحتل مواقع مرموقة من السلم الوظيفي‮ ‬والإداري‮ ‬للدولة والقطاعين العام والخاص تخلق قاعدة موضوعية لفكرة التحديث‮. ‬ وبعيداً‮ ‬عن التوصيفات أعلاه،‮ ‬فإن التغيير من حيث هو حاجة لتطوير الأداء الاجتماعي‮ ‬وإزاحة السلبيات التي‮ ‬تراكمت عبر سنوات ما بعد استقلال بلدان الخليج والتطورات العاصفة التي‮ ‬أحاطت بها،‮ ‬أمر لا بد منه حتى لا نصحو مرة أو مرات على كوارث أخرى‮.‬
 
صحيفة الايام
10 مارس 2008