ربما هذا هو التعبير الأصدق من بين جملة التعبيرات التي أطلقها عشاق فيروز حين عبروا عبر مدوناتهم وملتقياتهم الإلكترونية عن استيائهم جزاء نفاذ تذاكر حفل الفنانة العربية فيروز، التذاكر التي نفذت بعد أربعين دقيقة أو لنضعها في هذا النحو (40 دقيقة) فقط من عرضها في الأسواق، حطمت أحلام كل عشاق فيروز في المنطقة، عشاق فيروز الذين رأوا في صوتها شجناً ملائكياً يمثل سماعه حالة من حالات تطهير النفس من كل الخطايا تفوق في عظمتها إحساس المتوجه للقديس للاعتراف عند مذبح الكنيسة أو المتوسل على شباك الضريح طمعاً في رضا سلطة غيبية، ومن غيرنا نحن الذين قال الله عنا طوبا للفقراء أحق بهذه النعمة، لكن النعمات غالباً لا تتجه لمن يستحقها بقدر ما تتجه لمن يستطيع الحصول عليها بنفوذه أو بماله.
ربيع الثقافة عنوان للجدل منذ ثلاث سنوات والشيخة مي بنت محمد آل خليفة الوكيل المساعد للثقافة والفنون بطلة يسبق صيتها فصل الربيع الأول، أتذكر عندما تلقفت الأوساط الثقافية خبر تولي الشيخة مي هذا المنصب، لقد بنى الجميع أحلام لا حدود لها، وشيد بعضهم الآخر قصوراً رخوة من رمال سرعان ما تلاشت مع أول موجة تداعت إلى الشاطئ، الشيخة مي التي شكلت الأمل في التغيير بنت صالة ثقافية لكنها لم تمنحها للمسرحيين سوى مرة واحدة في السنة، ونظمت مهرجاناً دولياً لكنه خلا من عروض أو حتى جمهور محلي إلا إذ استثنينا أصحاب السعادة والسمو الذي تبرز ابتساماتهم العريضة من مواقعهم في صفوف الحفل الأمامية. هناك من يحب تصنيف الناس في خنادق فإذا أنتقدت الشيخة مي في جانب معين ستكون بطبيعة الحال منتمياً لشلة وزارة الإعلام وقبل أن تذهب بكم أو بغيركم التأويلات بعيدأ أرفع عن نفسي هذه التهمة أنا الذي وقفت شامخاً بجانب قاسم حداد على خشبة مسرح الصالة الثقافية حين صاح خالد الشيخ بوزير الإعلام قائلاً لا تعتذر عما فعلت. وأسجل هنا بالمناسبة شهادة في حق الشيخة مي مهما انتقدنا نهجك المتعلق بالمعمار الثقافي على حساب الإنسان، وهوسك بالكوادر الأجنبية على حساب أبناء البلد، أو نزعتك لحب التملك وإن كان ثقافياً، وتعزيزك للثقافة الإرستقوراطية على حساب المعدومين، إلا أن أحداً قبلك أو بعدك لم يحقق للثقافة ما حققته وأن اختلفنا في جزئيات إنجازك، لكن فيروز هي القشة التي قسمت ظهور صعاليك الثقافة حين تبددت أحلامهم بمجرد ما أصبح حلم لقاءهم بفيروز ضرباً من ضروب الخيال بعد أن أصبح حفلها حكراً على أصحاب الكروش الكبيرة الذين لم ولن يتذوقوا فنها بقدر ما نتذوقه نحن الذين أفتركنا تراب الأرض فأنتجتا بيئة، أما هم فدكوا تراب الأرض ليفجروا أباراً سوداء شحنت بطونهم، وأتذكر هنا أبنك ياسيدة فيروز الذي غنى “شو هالايام إلي أوصلناها آل أنو غني عم يعطي فقير.. كنو المصاري قشطت لحاله على هيده نتفه وهايده كتير”. يقول أحد الرفاق الأردنيين أن فرقة من الشباب قررت يوماً ما أن تطلق على نفسها فرقة شو هالايام واتخذت الشارع مسرحاً لعرض أغانيها فكلما وجدت زاوية فارغة من زوايا أزقة عمان إلا وافترشتها لتغني أغاني الشيخ أمام وسيد درويش إلى جانب زياد الرحباني، إلى أن ذاع صيتها فقررت أحد القصور الثقافية استضافتها، ومما يعرف عن هذه القصور أن روادها ليسو من الذين ” من عرق جبينو طلع مصاري هالانسان” فلكم أن تتخيلوا كيف كان تفاعل الجمهور مع فرقة “شو هالايام”.
أخيراً أعود للشيخة مي لموضوع ظل محيرا،ً لماذا لا يستجيب أصحاب القرار لرغبتك في فصل الثقافة عن الإعلام؟ وهل في محاربتك للوزير سبيل لذلك أم أن الأمر يتعدى وزيراً من عامة الشعب لا ذنب له سوى أن القيادة الرشيدة التي اختارتك من قبله وكيلة، تختاره اليوم وزيرا؟.
خاص بالتقدمي