يقال إن شر البلية ما يضحك، وهو كذلك. فمن شاهد وقائع جلسة الثلاثاء 26 فبراير المنصرم لمجلس النواب البحريني، سيجد أن تلك المقولة البليغة تصح عليها تماماً. فلقد كان المشهد عبارة عن أحد فصول الكوميديا السوداء التي أكثر البرلمان البحريني من عروضها المسرحية والتي باتت تنافس وصلات السيرك الاكروباتية ببهلوانيتها المثيرة. نقول.. مع أن هذه المشاهد الهزلية المحزنة قد غدت من عُدَّة (Tools) ومستلزمات - إن لم نقل مقومات - عمل المجلس، إلا أن جلسة الثلاثاء المذكورة، قد جاءت في حصيلتها استثنائية (Outstanding)، من حيث ‘تألق’ أعضاء المجلس في استعراض ‘مواهبهم’ الإبداعية في إظهار ألوان قزحية من الطيش والهيجان المنفلت العقال والتراشق ‘اللفظي الهارموني البديع’! نعم لقد كانت ‘حفلة’ فريدة بامتياز، إذ حفلت بكل ما هو مدعاة للفرجة والتندر والسخرية.. ولكن ليس لحد الإبهار وإنما - ويا للمفارقة - لحد التقزز والاشمئزاز. لقد قسَّم ‘المحتفلون’- على طريقتهم - قاعة البرلمان إلى حلبة مصارعة، انشطر فيها الجميع إلى فريقين متناطحين كل يدعي الوصل بليلاه، وهي هنا طائفته، مع أن أحداً من البحرينيين لم يفوضهم التحدث والتناطح والتشاجر باسمه. ولذلك ما كان ينقص هذه وتلك من الفصول المسرحية السمجة هو الجمهور الذي ظل غائباً بصورة لافتة عن كل تلك العروض المتوالية فصولاً هزلية مشينة كما أسلفنا. فلقد ملَّ الجمهور البحريني من استعراضات هذه الكوكبة ‘الفذة’ من نواب ‘الشعب’ الذين ورَّطتة بهم الدهماء في ليلة ظلماء ليس فيها قمر ولم يعد يحفل بمناكداتهم ومناكفاتهم المتواكبة مع خط سير رحلتهم المكللة والمجللة بعبق نفحاتهم الطائفية. وهذه مفارقة جديرة بالدراسة. فلم يعد هنالك أي نوع من التفاعل بين البرلمان وبين المجتمع الذي يفترض انه هو من أتى بأعضائه اإيه وأكسبهم عضويته و’رزتها’ وامتيازاتها. حتى صار البرلمان وكأنه إحدى الجزر المعزولة التي تشكل أرخبيل البحرين. أما لماذا هجرهم الجمهور البحريني ولم يعد يعبأ بما يثيرونه من زوبعات بين الحين والآخر، فذلك مرده على أنهم لا يقوون على تمثيله وتمثيل مصالحه ومشاكله وتطلعاته، ولم يحاولوا فعل ذلك على أية حال لأنهم في واقع الحال منشغلون بما هو أهم، بالنسبة لهم، الا وهي أجنداتهم الحزبية والفئوية الطائفية الضيقة، وإشغال أنفسهم ومحاولة إشغال الناس معهم بأنساق طقوسهم الطهرانية التي تضعهم في مرتبة استعلائية واستخفافية بالآخرين وعدم الاعتراف لهم بحقهم في الاختلاف وفي العيش المشترك والمتسامح. الأنكى من هذا أن الفريقين المتواجهين قد تنطعا وراحا في فزعة عنترية مفتعلة يتحدثان عمن يفترضه كل فريق منهما أنه عمقه الطائفي، فيدخلان في عراك هدف طرفيه إلهاب مشاعر الجمهور في الجانبين والتكسب الدعائي والفهلوي الرخيص من ورائها، مقدمين بذلك الدليل تلو الدليل على أن الديمقراطية في المجتمعات التي تغلب عليها المحافظة والمترددة في الانخراط دون خوف ولا هواجس في نظام العلاقات الدولية المتعاظمة العمق والتدويل، هي صناعة غير مكتملة الأركان لجهة جدواها، وزراعة في أرض غير خصيبة صعبة الإثمار. لقد ثبت بالدليل القاطع أننا في البحرين نعاني من اختلال من تشوهات كبيرة وخطيرة في الفكر والثقافة، ومن نقص حاد في الوعي الاجتماعي ناهيك عن أبعاد هذا الوعي الوطنية والقومية والكونية. إنها فعلاً بيئة مستجدة وصعبة للغاية، ولكنها، للأسف الشديد، جد مناسبة لكل أولئك الطارئين الذين لا يتورعون عن توظيف كل ما هو متاح من أدوات، حتى ولو كان الدين الذي يفترض أن يتم تنزيهه والنأي به عن ألاعيب السياسة والسياسيين، من أجل الظفر بمبتغياتهم.
صحيفة الوطن
8 مارس 2008