المنشور

الطابق الثالث‮..‬ هل هو حل لأزمة السكن؟


كانت المنازل البحرينية تبنى من الخوص والجريد،‮ ‬وبالطبع لا‮ ‬يمكن أن تبنى إلا على الأرض،‮ ‬وبما أن المساحة واسعة والأراضي‮ ‬مجانية فلا‮ ‬يوجد أي‮ ‬تفكير في‮ ‬بناء منازل فوق السطوح،‮ ‬وكانت المساكن أشبه بالمساكن المشاعية،‮ ‬كل شخص باستطاعته أن‮ ‬يحوط أرضاً‮ ‬ويبنيها‮. ‬ولما اتخذت الحضارة البحرينية خطوة إلى الأمام في‮ ‬تشييد المنازل العالية بدأت ببناء طابق علوي‮ ‬وكان المنزل حينها‮ ‬يبنى من الجص والطين والصار‮ (‬صناعة محلية وفورية تشبه الإسمنت‮) ‬وكان البحرينيون‮ ‬يتندرون على المنزل الذي‮ ‬يعلوه طابقاً‮ ‬ثانياً‮ ‬فيسمونه بيت الغرف‮. ‬وللآن هناك عوائل تسمى بهذا الاسم لأنها أول من بدأ ببناء طابق علوي،‮ ‬وحتى إن هناك قرية تسمى الغريفة‮.‬ ولكن عندما ارتفعت أسعار الأراضي‮ ‬بدأ الشعب البحريني‮ ‬في‮ ‬رحلة طويلة من المحنة،‮ ‬وقد‮  ‬استمرت الحكومة في‮ ‬السبعينات والثمانينات وجزء من التسعينات توزع الأراضي‮ ‬على العوائل أو الشباب المحتاج،‮ ‬وعندما ارتفعت أسعار الأرضي‮ ‬توقفت الحكومة،‮ ‬وصار الناس‮ ‬يشترون الأرض ويرهنوها لدى البنوك إلى أن‮ ‬يحلها الحلال،‮ ‬مع العلم أن هناك أراض شاسعة لا زالت براري‮ ‬بأسماء المتنفذين بالإمكان بناء مدن كاملة عليها‮.‬ حقيقة الأمر أن المساكن الآن في‮ ‬مأزق شديد،‮ ‬وإذا استمرت الأحوال هكذا فإن الزحمة السكانية والعوائل التي‮ ‬ستفترش الثرى ستكون أكثر من المتوقع،‮ ‬على كل حال لا‮ ‬يحلم الشاب الآن أو الشابة بشراء أرض على الإطلاق‮. ‬لأن الأرض تساوي‮ ‬سبعين ألف دينار‮. ‬والمرتبات باقية على حالها اللهم إلا أن هناك منفداً‮ ‬صغيراً‮ ‬لسد الفاقة بسبب الزيادة البسيطة في‮ ‬المعاش،‮ ‬هكذا عاش الشعب البحريني‮ ‬فترة من الزمن لم تكن بالحسبان،‮ ‬يتنعم بالأرض الذي‮ ‬وهبها الله‮  ‬إياها‮. ‬لكن الآن الأرض ومن عليها ملك للمتنفذين‮. ‬والسؤال كيف نستطيع حل هذه المعادلة الصعبة؟ الشقق أو الإيجار أو علاوة السكن أو ماذا؟ كلها جرعات مسكنة مؤقتة،‮ ‬المشكلة الآن عويصة وحتى التفكير في‮ ‬الخارج القريب كالإمارات مثلا أصبح حلماً‮ ‬ذلك لأن الأرض السكنية تقارب ثلاثة ملايين درهم،‮ ‬والشقة‮ ‬600‮ ‬دينار في‮ ‬الشهر،‮ ‬هذا إن وجدت‮. لقد دأب الشعب البحريني‮ ‬بالضغط على نفسه في‮ ‬سبيل حل مشاكله المعيشية،‮ ‬إما بالعمل المضاعف أو بتراكم ديونه أو بالتقليل من الإنجاب أو بالهجرة لفترة زمنية لكن الأمر أصبح مختلفاً‮ ‬الآن،‮ ‬حيث أخذ المواطن‮ ‬يقسم منزله إلى كانتونانت صغيرة‮. ‬والمنزل أصبح‮ ‬يتسع إلى خمس عوائل ولعدد كبير من الأطفال‮. ‬ثم جار على البهو والحديقة‮. ‬وفي‮ ‬خطوة جديدة أخذ‮ ‬يلغي‮ ‬المجلس ويطلب الزاوية المنفرجة حتى تفرج له‮.‬ وفي‮ ‬خطوة جديدة من نوعها أصدرت وزارة البلديات مشكورة تراخيص ببناء الطابق الثالث،‮ ‬مشهد لم‮ ‬يألفه أحد‮. ‬ولا‮ ‬يعرف نعمته إلا الآباء الذين ضاقت بهم الحياة‮. ‬والآن بإمكانك عزيزي‮ ‬القارئ أن تتجول في‮ ‬قرى ومدن البحرين لكي‮ ‬ترى بأم عينيك أولئك البنائين الآسيوين وهم‮ ‬يرتفعون عالياً‮ ‬لكي‮ ‬يشيدوا الطابق الثالث‮.‬ نعم،‮ ‬هناك حدث جديد وهام‮ ‬يطرح نفسه على الساحة ألا وهو الطابق الثالث،‮ ‬لم‮ ‬يتوقف‮ ‬غني‮ ‬ولا فقير ولا معدم عن اللجوء إلى هذا العمران المنفرد الجديد،‮ ‬وسترى الأعمدة والسكلات ترتفع وترتفع لكي‮ ‬تبني‮ ‬الطابق الثالث للجيل الثالث من الغلاء‮. ‬حقاً‮ ‬نستطيع تسمية هذا الجيل بجيل الطابق الثالث لكن السؤال ما مدى تغطيته لمشكلة الأراضي؟ وهل سيخفف من الازدحام؟ وإلى أي‮ ‬حد‮ ‬ياترى؟‮  ‬

 صحيفة الوطن
7 مارس 2008