تمر اليوم الذكرى 43 على اندلاع انتفاضة مارس 65، تلك الانتفاضة الوطنية التي جمعت شعب البحرين بمختلف تكويناته القروية والمدنية تحت لواء وطني جامع مفاده دحر الاستعمار ومحاربة الاستبداد الذي مثلته رمزيا آنذاك شركة بابكو المسيطر عليها من قبل الاستعمار الإنجليزي بعد أن لجئت لفصل 1500 عامل بحريني من الشركة تحسباً من تصاعد قوة عمالية ضاربة تتماهى مع حركات التحرر الوطني العالمية وتحرج إدارة الشركة التي تمثل مصدر الازدهار الاقتصادي للاستعمار وحلفائه في الرفاع. لم أبدأ حديثي بتحديد يوم الذكرى المختلف عليه بين ضفتي اليسار اللتان نسفتا كل النضال الوطني المشترك وقضاياه الكبرى وصرفا جهودهما على سجالات تتعلق بتاريخ اندلاع الانتفاضة بين أبناء وأحفاد الجبهة الشعبية الذين يدعون أنها اندلعت في الخامس من مارس ونظرائهم في جبهة التحرير الذين يؤكدون أنها كانت في السابع منه، لكني سأبدأ بتحية للشعب البحريني الأبي شعب ستينيات وسبعينيات القرن ا لماضي، شعب العقدين الوطنيين الاستثنائيين في تاريخ السيسيولوجيا البحرينية الذي كون قاعدة وطنية جامعة لا تكترث للانتماء الطائفي بقدر ما تحركها القضايا الوطنية الكبرى كالمساواة والحرية والعدالة الاجتماعية. ما دفعني لأن أخرج عن كسلي الطويل وأعود إلى الكتابة سببان رئيسان الأول أتى بعد الثاني وهو كتاب يوميات انتفاضة مارس الذي جمعها عضو جبهة التحرير الوطني محمد السيد في كتاب يصدر قريباً عن دار الكنوز، والآخر الذي لا يقل أهمية بل يسبق في وجداني أهمية السبب سالف الذكر (أمي). في أحاديثي المطولة مع أمي حول تاريخ المنامة وتفاصيل علاقاتها الاجتماعية جرنا الحديث نحو (فريق سوار) حيث كانت أمي تقيم بعد أن خرجت من بيتها في (فريق الحطب) أثر وفاة والدتها ما أقتضى عيشها مع شقيقتها الكبرى، تقول أمي ” شاهدت الناس يتظاهرون في الشوارع ويواجهون قوات الأمن كنت أحمل (زهير*) على كتفي وأرمي قوات الأمن بالحجارة وكان الدرك يقول لي بلغة عربية غير مفهومة “أذهبي ياحرمة من هني”، أما أنا فكنت أرد عليه “ما بروح.. ما بروح”.. ولو علمت (رباب**) بذلك لحاسبتني حساباً شديداً، “بعدها سحبوني بيت البلوش أبناء جيراننا وخبئوني داخل منزلهم”. هكذا كانت أمي وهكذا كان شعب البحرين ثوريا مخلصاً لقضيته متضامناً مع أبناء شعبه في مواجهة قوى الاستبداد الكبرى، بيت البلوش يخبئون البحرانية لحمايتها من بطش الدرك، وأهل المحرق يصطفون في مظاهرات حاشدة مع أهل المنامة والسنابس وسترة والرفاع. أما اليوم أجد نفسي عاجزاً أمام حماس أمي الثوري، وأمام مكونات جيلها الاستثنائية، حين أرى كيف تغزو الإمبريالية مجتمعاتنا دقيقة بعد أخرى، وتغزو الطائفية سلوكنا ثانية بعد أخرى لدرجة بت فيها أخشى أن أبوح بموقفي الوطني لكي لا يفسر طائفيا. يختلف الحال تماماً فمجلس النواب في 2008 لا يشبه مجلس نواب 73 الذي كان محركه الرئيس كتلة الشعب المشكلة من رحم جبهة التحرير الوطني، مجلس النواب اليوم أشبه بحلبة للمصارعة بين قوى الطائفية، وسط ابتسامات صفراء تطل من مقاعد السلطة التنفيذية، تعبر عن ارتياحها لنجاح مسار حملة فرق تسد، التي شغلت النواب عن تداعيات تقرير البندر، وألهتهم في صراع طائفي غافلين عن مشاريع الاستثمار الأجنبي التي ابتلعت الأخضر واليابس “وشعللت الأسعار”، وقضت على البيئة ابتداء بسواحل البحرين ووصلاً إلى ناسها الذين هجنت هوياتهم. أعتذر لأمي تزامناً مع ذكرى انتفاضة مارس لأني عجزت أن أكون ثورياً بمقدارها، وأعتذر لجبهة التحرير وإتحاد الشباب الديمقراطي البحراني، لأني عجزت في زمن المصالح أن أكـون قاعدة شبابية مؤمنة بنهجهما في زمن بات فيه الإنسان يصارع من أجل البقاء وإن كان الطريق صعوداً على أكتاف الآخرين.
خاص بالتقدمي
الهوامش:
· زهير أبن خالتي من مواليد 64 كان رضيعاً حين حملته أمي على كتفها في الانتفاضة.
· رباب خالتي الكبرى أم زهير.