يضيق الوقت على الالتزامات والمهام التي يرغب المرء في أدائها: أن ينخرط في الحياة فيكون حاضراً في قلب أحداثها، وأن يقرأ كتباً كثيرة، وأن يسامر أصدقاء يحبهم، أو يهاتفهم، وأن يذهب للعمل صباح كل يوم في الموعد إياه، وأن يجد عدداً كافياً من الساعات كي يخلد إلى نوم عميق يستمد منه طاقة ونشاطاً. شدتني عبارة قرأتها مرة على لسان رجل سأله أحدهم، وهو يشكره على خدمة أجزاها له قائلاً: أنت تقدم الكثير من وقتك. فرد الرجل: “المرء لا يقدم وقتاً أبداً. إنه يقدم اهتماماً، نصائح، معلومات، صداقة، ما أدراني ماذا أيضاً؟ الوقت ليس ملكاً لأحد. إنه أداة قياس”. أدهشني هذا التوصيف الدقيق للوقت، من أنه ليس أكثر من أداة قياس، وهو توصيف يرغب صاحبه في أن يبدد الفكرة المستقرة في الأذهان عن إضاعة الوقت أو “تضييع” الوقت. وقد يدفعنا التفكير في هذه المسائل إلى متاهات فلسفية عن الزمن، وعن موقعنا في هذا الزمن. من الأجدى والأكثر متعة بالنسبة لنا أن نفكر في الأمر بصورة أبسط، بعيداً عن الفلسفة، لنرى أن الوقت الذي نشكو من قلته ليس أكثر من وحدة قياس، ولكنها وحدة قياس مخيفة لأنها تذكرنا بأن مشاريعنا في الحياة هي على الدوام أكثر وأوسع وأكبر من المساحة التي يتيحها لنا الوقت، إنه لا يمتد لكي يمكننا من أن ننجز كل ما نريد. ولو أنه امتد لربما اكتشفنا أن مشاريع أخرى جديدة قد نشأت تبعاً لذلك، والمدهش أننا في عصر السرعة، حيث التسهيلات الضرورية متاحة، وهي توفر لنا أوقاتاً إضافية لم تكن متيسرة لأسلافنا، ومع ذلك فإننا نشكو من قلة الوقت. أذكر مرة أني تحدثت مع صديق شاكياً له قلة الوقت، وأذكر جوابه المخيف: كل الذين ماتوا، رحلوا قبل أن ينجزوا مشاريعهم. كان هذا الصديق يستحث فكرة أخرى لديّ ولديه: لا تتعب نفسك بالمشاريع الكثيرة. ستمضي الحياة قبل أن تنجزها. لكني لا آخذ هذه النصيحة على محمل الجد، لأني أظن أن الحياة من دون مشروع تكفُّ عن أن تكون حياة.
صحيفة الايام
4 مارس 2008