القاهرة – عاصمة جمهورية مصر العربية هي أيضا عاصمة حركة التضامن الأفرو- آسيوي المنطلقة من مؤتمر باندونغ الذي انبثقت عنه حركة عدم الانحياز عام 1955 بمبادرة من زعمائها التاريخيين الراحلين : الزعيم الهندي جواهر لال نهرو، القائد اليوغسلافي جوزيف بروز تيتو، الزعيم العربي جمال عبد الناصر والرئيس الأندونيسي أحمد سوكارنو. ولئن تغير العالم كثيرا عما كان عليه قبل خمسين عاما، وتغيرت معها أشكال الاستعمار فكذلك تغيرت مضامين حركة عدم الانحياز. لكن الحاجة إلى هذه الحركة أصبحت أكثر إلحاحا في السنوات الأخيرة. وفي القمة الثالثة عشر لحركة عدم الانحياز التي انعقدت في كوالالمبور (24-25/02/2003) عبر ممثلو 116 دولة الأعضاء في هذه الحركة عن أهمية إعادة إحيائها. وكان ذلك قبيل شن الحرب الأميركية على العراق التي انتهت إلى احتلال رسمي لهذا البلد ونوع خاص من الاستعمار في المنطقة. ولعل ما يشهده العالم الآن في زمن العولمة المتوحشة يعيد إلى الذاكرة كلمات الرئيس سوكارنو في خطابه ألترحيبي بوفود مؤتمر باندونغ 1955 : ” أتوسل إليكم ألا تفكروا في الاستعمار في شكله التقليدي فقط، إن للاستعمار أيضا رداءه الجديد الذي يتخذ أشكال السيطرة الاقتصادية والفكرية والبدنية من قبل جماعة صغيرة وأجنبية داخل الدولة. إنه عدو ماهر وعاقد العزم ويظهر في هيئات عدة… كلما وأينما وكيفما ظهر، إن الاستعمار هو شيء شرير يجب أن يستأصل من الكرة الأرضية”. استذكر هذه الكلمات السيد نوري عبد الرزاق السكرتير العام والرئيس بالإنابة لمنظمة تضامن الشعوب الإفريقية الآسيوية في المؤتمر الاحتفالي الذي أقيم في القاهرة في الفترة ما بين 26 – 28 فبراير 2008 بمناسبة مرور خمسين عاما على تأسيس المنظمة في 1/1/1958. وقد اتخذت المنظمة القاهرة منذ ذلك الوقت مقرا دائما لها. وعلى المدى العام الماضي قاد رئيس المنظمة الدكتور مراد غالب التحضيرات لهذا المؤتمر، إلا أن وفاته في 18 ديسمبر الماضي غيبته جسديا عن حضور المؤتمر الذي أهدته المنظمة إليه وفاء للعطاء الكبير الذي قدمه لقضايا شعوب أفريقيا وآسيا من أجل التحرر والتنمية والعدالة الاجتماعية. واستعدادا للمهام الجديدة أمام حركة التضامن في المرحلة المقبلة عقد المؤتمر تحت عنوان “منظمة التضامن في عالم متعولم يقوم على الاعتماد المتبادل”. وشارك فيه إلى جانب ممثلي المنظمات الأعضاء ممثلون عن لجان التضامن الأوربية ومنظمات دولية وإقليمية ووطنية في مقدمتها مجلس السلم العالمي، اتحاد العمال العالمي، اتحاد النساء الديمقراطي العالمي، اتحاد الشباب العالمي، منظمة التضامن الأفريقي الآسيوي الأميركي اللاتيني، جمعية السلام ونزع السلاح للشعب الصيني، تحالف نزع السلاح الهندي ومنظمة العمل العربية. وشارك في الافتتاح ممثلون عن وزارة الخارجية المصرية وجامعة الدول العربية وسفارات عربية وأجنبية وشخصيات وطنية مصرية معروفة. وعلى مدى ثلاثة أيام ناقش سياسيون وعلماء من مختلف التخصصات سبعة محاور هي منظمة التضامن في عالم متعولم يقوم على الاعتماد المتبادل، سياسات العولمة الليبرالية الجديدة، تعاظم دور التكتلات الإقليمية، بؤر التوتر وتصاعد الإرهاب، نزع السلاح والحد من الانتشار النووي، تمكين المرأة وحقوق الإنسان وأخيرا التغيرات البيئية والمناخية. وستقوم المنظمة بنشر الأوراق والمناقشات والنتائج في وقت لاحق. الورقة البحرينية كانت الخليجية الوحيدة. أشارت إلى أنه إذا كانت العولمة منذ سنوات تسير بإرادة الإملاءات الأميركية فإن منطقة الخليج وما جاورها تشكل القاعدة المادية التي تستند إليها العولمة على الطريقة الأميركية. فهذه المنطقة تنتج الآن 22.8% و 7.1% من الإنتاج العالمي للنفط والغاز على التوالي. كما أن إمكانياتها الواعدة أكبر من بكثير إذ أن معطيات تشير إلى أنها قادرة حتى عام 2030 على أن تزيد طاقتها الاستخراجية بنسبة 72%. إن تحكم الولايات المتحدة الأميركية بهذه المنطقة يؤمن لها قوة التأثير على تطور العالم وفق ما تقتضيه المصالح الأنانية الأميركية. وحول هذه الحقيقة تتراقص مؤشرات اتجاهات السياسات الأميركية إزاء هذه المنطقة في مختلف المجالات ابتداء من إعلان برامج دعم التنمية في بلدان المنطقة إلى انتهائها باتفاقيات التجارة الحرة الثنائية مع كل بلد على حدة أثبتت تجربة سنة واحدة من تطبيقها أنها تعمل لصالح الولايات المتحدة في الأساس. بينما نشطت هذه الاتفاقيات قطاعات اقتصادية ساخنة كالمال والعقار وغيرها من القطاعات غير الإنتاجية والسريعة التأثر بحركة ومناورات رأس المال المالي العالمي واتجاهاته الجغرافية العالمية. وبواسطة الهيمنة العسكرية والنفوذ السياسي الأميركي يتم فرض بقاء عملات بلدان المنطقة وسياساتها النقدية مرتبطة بالدولار الأميركي المتآكل القيمة يوميا وبأسعار الفائدة التي تقررها واشنطن. وابتداء من الدعوات الأميركية التي نشطت مع بداية الألفية الجديدة لتشجيع دول المنطقة على الإصلاحات الديمقراطية إلى التراخي في هذه الدعوات في مقابل تنشيط تجارة السلاح وتكثيف الحضور العسكري الأميركي والسعي لبناء تحالفات تمهيدا لشن عدوان أميركي على إيران يكون استمرارا لنشر فكرة “الفوضى الخلاقة” ويضع كامل مستقبل منطقة الخليج والعالم على كف عفريت. مصالح ممثلي شركات النفط والمجمع الصناعي العسكري تتطلب نشر بؤر التوتر في مختلف مناطق العالم. وهذا ما تجسده السياسات الراهنة تجاه الأوضاع حول فلسطين وكوريا الديمقراطية وسوريا ولبنان وإيران وتفجير أزمة استقلال كوسوفو أخيرا. فالأرباح التي تجنيها تلك المؤسسات من وراء هذه الأزمات يجعلها لا تتورع عن تعريض العالم لخطر الانفجار بحيث أصبح الرئيس الأميركي يكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن احتمالات نشوب حرب عالمية ثالثة. هذا الوضع الذي يهدد كوكبنا على مختلف المستويات يتطلب من المنظمات الدولية والإقليمية والوطنية غير الحكومية التعبير عن إرادة شعوبها في السلم والديمقراطية والتنمية وحماية البيئة والتقدم الاجتماعي. ورغم إمكانياتها المحدودة تقف منظمة تضامن الشعوب الأفريقية الآسيوية في الصفوف الأمامية في المعركة من أجل بقاء وتقدم البشرية.
صحيفة الوقت
3 مارس 2008