المنشور

تعليم الأجانب العربية

مع ازدياد نسب العمالة الأجنبية غير العربية في بلدان الخليج العربي على نحو غير مسبوق خلال السنوات العشر الأخيرة، والتي أضحت في معظم هذه البلدان تزيد على 50% من نسبة المواطنين، ارتفعت الأصوات الخليجية في المقابل التي تقرع جرس الإنذار من خطر هذا التزايد على التركيبة الديموغرافية لهذه البلدان وتأثيره على الهوية الوطنية لشعوبها بمختلف عناصرها ومنها اللغة، فضلاً عن تأثير تلك الزيادة المطردة على فرص توظيف المواطنين وتوطين الوظائف، وغير ذلك من آثار سلبية أخرى. ولما كان وجود أعداد هائلة من العمالة الوافدة الأجنبية في بلدان مجلس التعاون أمراً فرض نفسه على أرضية الواقع مما يصعب تغييره بين عشية وضحاها، فإن وجود لغات أجنبية بات استتباعا يفرض نفسه هو الآخر على الساحة الاجتماعية المحلية، سواء في العمل أم في المجتمع. ومن نتائج وانعكاسات هذه التعددية اللغوية المفروضة ان أغلب العمال الأجانب الوافدين والذين هم من العمالة غير الماهرة أو المتعلمة والتي لا تلم باللغة الإنجليزية وهي اللغة الوسيطة للتحدث مع الأجانب على اختلاف لغاتهم تضطر الجهات المعنية ذات العلاقة بمعاملاتهم سواء في مؤسسات الدولة أم في مؤسسة العمل أم في المجتمع للتحدث معهم بواسطة مترجم أو التحدث بلغاتهم،هذا إن وجد بعض المواطنين الذين يجيدون قليلا منها. أما في أغلب الأحيان الأخرى فتضطر المؤسسات الحكومية المعنية ذات العلاقة بإنهاء معاملاتهم إلى لصق إعلانات بلغات عديدة لتوضيح الإرشادات أو التوعيات الخاصة بإنجاز تلك المعاملات. وبالطبع فإن مثل هذه الوضعية الشاذة من تعدد اللغات لا تنسجم مع مكانة لغة البلد. ولعل إنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية للأجانب هو من الحلول المهمة التي يفترض ان تلجأ إليها الدول العربية الخليجية التي تواجه جميعها هذه الإشكالية اللغوية والثقافية. فتعليم الأجانب اللغة العربية، ولو من خلال إكساب المتعلمين بعض أساسياتها المبسطة لتساعدهم على الفهم وتمرير معاملاتهم اليومية ليس من شأنه فقط أن يساعد الدولة وكل الجهات والمؤسسات المعنية بتلك المعاملات على حل هذه الإشكالية، بل ومن شأنه ان يسهم في اطلاع هذا الكم الهائل من الأجانب على ثقافتنا العربية الخليجية، من تراث ولغة وتاريخ، ولاسيما المتعلمون والمثقفون منهم الذين قطعوا شوطا معقولا في التعليم والثقافة. كما من شأن هذا الاندماج الثقافي اللغوي ان يسهل على وسائل الإعلام العربية ونشطاء النخبتين السياسية والثقافية توعية هؤلاء الأجانب وجذبهم الى صف قضايانا الوطنية والقومية، بدلا من ان يظلوا في هذه البلدان سنوات طويلة أشبه بالمغتربين اغترابا كاملا عن واقع شعوبها وقضاياها. أضف الى ذلك فإنه اذا ما أصبح ــ لا سمح الله ــ تجنيس أعداد من هذه العمالة الأجنبية في هذه البلدان أمرا واقعا سواء برغبة حكوماتها أم بغير رغبتها، فعلى الأقل يكون هؤلاء المجنسون الجدد يلمون بقدر معقول بلغة أهل البلد بدلا من أن يتحدثوا بلغة عربية مكسرة على نحو صارخ يفضح عجمة ألسنتهم بما يُسيء الى هوية البلد العربية. ولعل من البلدان العربية الخليجية التي التفتت الى أهمية إنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية للأجانب دولة الإمارات العربية المتحدة. ففي أبوظبي أقام مجلس التعليم في فبراير الماضي دورة تدريبية في اللغة العربية لفريق العاملين الأجانب بالمجلس نفسه. واستمرت الدورة خمسة أسابيع بمعدل 4 ساعات يوميا، واستهدفت الدورة تعليم المشاركين العربية قراءة وكتابة ومحادثة واستماعا على نحو مبسط يساعدهم على تيسير معاملاتهم العملية اليومية، بما في ذلك خلال عملهم بمجلس التعليم في أبوظبي، فضلا عن تمكينهم من الاطلاع على الثقافة الوطنية الإماراتية والقدرة على التواصل مع أفراد المجتمعات المحلية من المواطنين. ويقوم بعملية التدريس مدرسون متخصصون من كلية الإمارات للتطوير التربوي، وقد انخرط في تلك الدورة وافدون من جنسيات مختلفة آسيوية وأوروبية وأبدوا جميعا حماسا لتنظيمها لما لها من فائدة جمة في مساعدتهم على فهم المجتمع الذي يعيشون بين أرجائه. بطبيعة الحال لا تتوافر بين أيدينا معلومات كافية عما اذا تنظم مثل هذه الدورات التدريبية اللغوية في سائر البلدان الخليجية الأخرى، وان كان من المؤكد ان البحرين ليست من بينها، إلا أننا نرى انه بات من الأهمية بمكان ان تقتدي كل دول مجلس التعاون بهذه الخطوة الإماراتية سواء من خلال تنظيم دورات على مستوى المؤسسات التي يعمل فيها الأجانب أنفسهم، أو من خلال، كما ذكرنا، انشاء مراكز تدريبية تعليمية متخصصة لهذا الغرض بحيث تفتح دورات متعاقبة على مدار السنة لمختلف الجاليات الأجنبية المقيمة. ولا شك أن اضطلاع المحطات الإذاعية والتلفزيونية الخليجية بهذه المهمة من شأنه أن يسهم بشكل أو بآخر في حل المشكلة في البلدان المتلكئة عن إنشاء مثل هذه المراكز أو تنظيم الدورات، كما من شأنه أن يسهم في مساعدة غير المقتدرين ماليا مثلا على الالتحاق بتلك المراكز والدورات.
 
صحيفة اخبار الخليج
1 مارس 2008