في العام 1983 أصدرت وزارة الإعلام كتاب «معابد باربار الأثرية» في طبعة إنجليزية، بمناسبة إعادة اكتشاف معابد باربار التي تمتاز بفنها المعماري المتفرد وبالتشكيل المتقن لكتل الحجر، التي بنيت منها أبنية البئر المقدسة والمباني الأخرى المتصلة بالمعبد، هذا الكتاب، كتبه باحثون أجانب عن البحرين من البعثة الدنماركية «مورتنسن، وأندرسون وبرين دو» وآخرون، وتمت ترجمته إلى العربية بلغة جميلة الكاتبة زينب أحمد، حيث يحتوي على مقدمة وخاتمة، وعلى نشأة المعابد ومجيء «إنكي» – إله المياه العذبة، ثم يتطرق إلى حضارة دلمون، المكتشفة من خلال آثار باربار، كما يتحدث عن موقع المعبد وعن مجيء جلجامش إلى أرض دلمون. إنه غني بالمعلومات عن بداية الاكتشافات الأثرية عندنا منذ الخمسينات من القرن الماضي، التي كانت مختفية عن أعين الباحثين والمنقبين وعن أعيننا أيضاً، ولكن بفضل أعضاء البعثة الدنماركية، تم اكتشاف عالم قديم كان على أرضنا، من بينها معابد باربار، وغيرها من الآثار المعمارية الممعنة في القدم، المتبقية من العالم القديم. ارتبط ذلك المعبد روحياً بحضارة سومر القديمة، وملحمة جلجامش الشعرية. وجلجامش هو ملك «الأوروك» (العراق) وحاكم سومر الذي عاش في النصف الأول من الألفية الثالثة، نحو 2650 ق.م.، إذ تلاقحت حضارة بلاد الرافدين بحضارتنا القديمة المعروفة آنذاك بأرض دلمون، والتي كانت بالنسبة للسومريين أرض الخلود، حيث بدأ جلجامش رحلته إليها بعد موت صديقه «إنكيدو». ويحكي الكتاب، أنه «قبل خمسة آلاف عام تقريباً، قدم رجال إلى مكان مهجور عند الساحل الشمالي لجزيرة البحرين، قريباً من قرية باربار الحالية، وقرروا أن تلك البقعة مقدسة. باشروا بناء معبد لآلهتهم، وما إن مضت بضعة قرون حتى كان معبدان آخران قد تم بناؤهما في المكان ذاته وعلى الأرض ذاتها، حيث أقيم المعبد الأول. ومع مرور الوقت، أخذ الموقع في الاتساع، ففي بواكير الألف الثانية قبل الميلاد، وقف المعبد الثالث مهيباً وجليلاً، متعالياً فوق أشجار النخيل المحيطة به ومجموعة المباني التي تناثرت حول أسواره الجيرية المنحنية على نحو جميل». («معابد باربار الأثرية» – ص.9 الفضول، أو عناصر التشويق، وحدهما، أو ربما الرغبة في زيادة المعلومات عن حضارة دلمون والديانات الدلمونية آنذاك، قد تُحرض على قراءة كتاب «معابد باربار الأثرية»، والشيء ذاته يثير الاهتمام لقراءة «المغامرة العقلية الأولى» لفراس السيّاح وآخرين للدراسات في الأسطورة، ولنتأمل هذا الوصف لمعبد باربار: «إن قلب موقع المعبد الذي يقع في باربار، عبارة عن بئر مقدسة، وهي مغتسل للطهارة، مبني من قوالب جيرية رائعة فوق ينبوع ماء طبيعي. وهذه البئر – مثلها كمثل الضريح الرئيسي ‘قدس الأقداس’ في وسط مجمع المعابد – كانت موضعاً مقدساً لكونها تمثل بالفعل المدخل الذي يمكن من خلاله الوصول إلى الآلهة نفسها». (ص 10). هذا الكتاب اختزل تاريخاً مازالت آثاره بصمة لأقدام على الماء، لا تمحى. من هنا مروا، ومن هنا بدؤوا، وعلى هذه الأرض المقدسة من المحتمل جداً أن يكون «إنكي» إله المياه العذبة في جوف الأرض، وهو ربا الـ «أبسو» – الهاوية – وهو الإله الذي يتم الاحتفاء بذكراه في معابد باربار. فقد كان إلهاً كريماً، كثير الهبات للإنسان، خلافاً لزملائه من الآلهة الآخرين في هيكل الآلهة السومرية. «أنكي» هو من قام «زيوسودرا» بتحذيره من الطوفان. لقد كان أب الآلهة الحامية للبحرين القديمة، المعروفة آنذاك بدلمون. كان «إنكي» إله المياه العذبة في جوف الأرض، والذي يديرها كما ينبغي، والذي سمح للإنسان بأن يحرث الأرض ويتمتع بخيراتها الوفيرة. كان بيت «إنكي» يقع في الـ «أبسو»، وهي قعر المياه الساكنة في جوف الأرض، والتي سمتها الثقافات التي أتت بعد ذلك «بالهاوية»، إذ سكن «إنكي» في قصر مبني من الفضة واللازورد». ص 21. ألم يقولوا إن أساطير التكوين تنتمي إلى أساطير الميلاد المائي، والحالة السابقة لبدء الكون في أساطيرنا التكوينية، وفق السيَّاح، «هي حالة من العماء المائي، ساكن، لا متمايز، لا متشكل. في زمن سرمدي متماثل، لا ينتابه تغيير ولا تبديل كأنه عدم». (مغامرة العقل الأولى ص23). ويبقى السؤال: لماذا دلمون أرض مقدسة؟! يجيب الباحثون على ذلك بأنها هي الأرض التي احتفت بها معابد باربار بالدرجة الأولى. إذ احتفل السومريون، منذ أقدم العصور، بقداسة دلمون، في قصائدهم، وفي شعائر احتفالاتهم الدينية، منادين بها موطناً أصلياً للآلهة، وبأنها «البقعة الطاهرة» التي ظهر فيها لأول مرة ابتداع الزراعة والري، والكثير من الحرف البشرية الباقية. وكانت معروفة بأنها «أرض العبور» و«الأرض التي تشرق منها الشمس» و«أرض الحياة». ألم يقولوا: «في أرض دلمون الوادعة لا ينعق الغراب.. ولا يتكهن طير الشؤم بالفواجع..»؟.. إلى آخر القول: «ففي أسوار دلمون، ليس من سبب يستدعي نواح الكاهن..!».
صحيفة الوقت
28 فبراير 2008