المنشور

الميثاق الوطني‮..‬ أداة من أدوات الحرية

تحتاج الحرية،‮ ‬في‮ ‬أي‮ ‬زمان ومكان لأدوات نضالية لكي‮ ‬تتعمق وتتجسد على أرض الواقع‮. ‬وقد قال أحد الشعراء العرب‮ ‘‬أن الحرية شجرة تسقى بالدماء‮’. ‬وليس الدماء الذي‮ ‬قصده الشاعر هو الدماء المسكوب من العنق البشري،‮ ‬بعد قتله في‮ ‬معركة ما من المعارك الفاصلة،‮ ‬وإنما هي‮ ‬الفعل المضني‮ ‬الذي‮ ‬يكلف صاحبه العرق والدم الذي‮ ‬يستنفذه صاحبه في‮ ‬كل دقيقة‮. ‬وهذا الدم أكثر بكثير من الدم الذي‮ ‬يسيل في‮ ‬المعارك الفاصلة‮. ‬هذا السائل الأحمر الذي‮ ‬يفقده الإنسان بصورة‮ ‬غير مرئية حينما‮ ‬يعمل في‮ ‬الشمس الحارقة،‮ ‬في‮ ‬مصهر المعادن كمصهر ألبا أو بابكو أو ما شابه ذلك‮. ‬إنها معركة الحياة الذي‮ ‬يقدم فيها زهرة شبابه وسعادته وفرحه قربانا وهو‮ ‬يطلب لقمة العيش والسكن‮. ‬الحرية تحتاج لأدوات كثيرة حتى تتوطد دعائمها وأولها صدور ميثاق ودستور‮ ‬يتعهد الحاكم ومواطنيه على صيانة الحرية‮. ‬الميثاق هو عقد اجتماعي‮ ‬يوقع عليه الحاكم ويصدقه المواطن‮. ‬هكذا كان بالنسبة للميثاق الذي‮ ‬صدر في‮ ‬14فبراير‮ ‬‭.‬2002‮ ‬لقد أضيف إلى المواثيق الدولية لبنة ساهمت في‮ ‬تحرير الإنسانية من العبودية‮.‬
لقد دأب كثير من الناس في‮ ‬الإعتقاد بأن الحرية ماهي‮ ‬إلا إطلاق سراح المعتقلين من السجون أو إزالة الأغلال من حول عنق العبد ومعصمه‮. ‬لكن الأمر لا‮ ‬يتمظهر في‮ ‬ذلك فقط‮. ‬الحرية باختصار هي‮ ‬توفير الحياة الحرة الكريمة لكل المواطنين بلا استثناء‮. ‬ومتى ما شعر الإنسان بأن حياته مصانة فإنه‮ ‬ينطلق بحرية في‮ ‬تحقيق ما‮ ‬يصبو إليه وهو التمتع بالطبيعة والفن والغناء والموسيقى والسفر والزواج والانجاب وكل ما‮ ‬يفرح الإنسان. إن الحرية لا تتحقق،‮ ‬لا من قريب ولا من بعيد،‮ ‬إلا في‮ ‬ظل قوانين عصرية،‮ ‬القوانين التي‮ ‬تحمي‮ ‬المرأة والطفل والشيخ وتحمي‮ ‬المنجزات الوطنية مثل حماية الاقتصاد من التلاعب والسرقة والفساد‮. ‬ومن ناحية أخرى فإن الحرية لها شروط تتمثل في‮ ‬حماية حرية الرأي‮ ‬وحرية الصحافة والإعلام،‮ ‬وحماية الأراضي‮ ‬السكنية من التلاعب بأسعارها،‮ ‬حماية الزراعة والاراضي‮ ‬الزراعية،‮ ‬حماية المرأة من العنف الأسري‮ ‬والاجتماعي‮ ‬والقوانين الجائرة‮. ‬حماية الأقليات من التهميش‮. ‬كذلك توفير العدالة والمساواة من خلال تطبيق الديمقراطية‮. ‬
لهذا قيل أن الحرية شجرة باسقة لها فروع في‮ ‬كل مكان ولها جذور ضاربة في‮ ‬أعماق الأرض الصلبة‮.‬
فالحرية ليست قلادة ذهبية تضعها المرأة في‮ ‬عنقها ولا أساور تزين بها معصمها‮. ‬الحرية ليست جيوش ولا مخابرات‮. ‬إنها واجب وطني‮ ‬مقرون بالإخلاص والعمل الشريف والمحبة والوطنية والنزاهة والنضال‮. ‬الحرية لا تتحقق إلا حيث تتحقق النزاهة في‮ ‬الوزير والوكيل والموظف والمراسل‮ (‬الفراش‮) ‬الذي‮ ‬كلف بخدمة الشعب والوطن‮. ‬وكذلك النائب الذي‮ ‬ينتخبه الشعب والذي‮ ‬ينسى نفسه ومصالحه ويغلب مصالح الآخرين عليها‮. ‬وإذا تحقق ذلك فإن الوزير‮ ‬ينام قرير العين‮  ‬دون حراسة ويتنزه في‮ ‬كل مكان ولا‮ ‬يرى أحد‮ ‬يضايقه أو‮ ‬يجادله‮. ‬حينئذ‮ ‬يصبح هو من‮ ‬يأخذ على عاتقه جرجرة الناس في‮ ‬أسئلة حول ما‮ ‬يحتاجون وما‮ ‬ينقصهم‮. ‬هذه ليست مثاليات أو طوباويات،‮ ‬وإنما هي‮ ‬حقائق سجلها التاريخ القديم والحديث،‮ ‬مثال على ذلك علي‮ ‬بن أبي‮ ‬طالب وعمر بن الخطاب‮ (‬رضي‮ ‬الله عنهما‮). ‬والعكس صحيح،‮ ‬يقال أن محمد رضى بهلوي‮ ‬شاه إيران السابق،‮ ‬عرف عن مظاهرات بلاده،‮ ‬والتي‮ ‬أطاحت به في‮ ‬نهاية عهده،‮ ‬من الإذاعات العالمية،‮ ‬ثم لبس لباسه الشعبي‮ ‬وتنكر في‮ ‬زي‮ ‬رجل الشارع ومشى على رجليه مسافة طويلة ووصل إلى برادة صغيرة وسأل صاحب البرادة‮: ‘‬أصحيح ما‮ ‬يقال بأن هناك مظاهرات تطالب بإزالة الشاه؟‮’ ‬فقال له صاحب البرادة‮: ‘‬نعم‮!’. ‬وما كان من الشاه إلا أن طرد حراسه ومخبريه لأنهم‮ ‬يكذبون عليه حين‮ ‬يسألهم ولكن بعد فوات الأوان‮.‬
الحرية تحتاج إلى أدوات كثيرة منها مراقبة المال والحال ومركزية الحكم‮. ‬فإذا لم تتوفر هذه الأدوات فإن الحكم‮ ‬يصبح في‮ ‬خطر،‮ ‬الحكم ليس لعبة أطفال ولا‮ ‬يتحمل المجاملة ولا الإنتظار أو الإستهزاء بالأحداث‮. ‬الحكم خطير وخطورته تكمن في‮ ‬داخله أكثر من خارجه‮.. ‬إنه‮ ‬يحتاج إلى مخلصين جادين في‮ ‬عملهم متفانين بأرواحهم‮. ‬جاءوا إلى السلطة لكي‮ ‬يحموا من هو على قمة السلطة لا أن‮ ‬يستغلوا موقعهم ويملأوا جيوبهم وأفواههم بما لذ وطاب‮. ‬الحرية شجرة باسقة ممتدة عبر التاريخ تحميها الدساتير الرصينة والمواثيق الصادقة،‮ ‬والسلطة قشة فوق قمة جبل تحميها التوازنات في‮ ‬الداخل والخارج إن وجدت‮.‬
 
صحيفة الوطن
23 فبراير 2008