الباب انتقال من عالم إلى آخر، دخول من خارج أو خروج من داخل. ويبدو أن الباب هو في الأصل امتداد للجدار، لأن القاعدة فيه أن يكون مغلقاً، يفتح فقط للضرورة، عند الدخول والخروج، كأن ما خلفه يبعث على الأمان، وكل ما كان خارجه يبعث على الترقب والخوف والحذر. الباب بهذا المعنى حافظ للسرية وللخصوصية ولحكايات الناس غير القابلة للتداول. لغز الغرفة المُغلقَة، في الأدب البوليسي، هو نوع معين من قصص الغموض، بحيث لا أحد يمكنه أن يكون قد دخل أو غادر مسرح الجريمة، ولا يمكن أن يكون موت الضحية انتحاراً. ازدهرت ألغاز الغرفة المغلقة مع كتاب أمثال جون ديكسون كار، كلايتون راوسون، وأغاثا كريستي، حيث تدور أحداث مملوءة بالغموض خلف الأبواب، وللباب حالات. الباب المفتوح يدعوك للدخول، فكونه مفتوحاً ينطوي الأمر على دعوة للولوج إلى ما ورائه، وفتح الباب دلالة على أن لا شيء خطر يجري خلفه، أو انه ليس هناك ما يستحق أن يخفى. أما الباب المغلق فيوحي بالقطيعة بين الداخل والخارج، ويخلق لديك الإحساس بأن شيئا غامضا ما وراءه. هل حدث لأحدكم أن جاور بيتاً مهجوراً، أبوابه مغلقة على الدوام، وهل لاحظ أن ثمة شعورا بالوحشة والرهبة يبعثه في نفسه منظر الأبواب المغلقة التي لا تفتح؟ على ان أكثر حالات الباب إثارة للفضول هو حال الباب الموارب، فهو ليس مفتوحا يمكن الولوج عبره بسهولة، وليس مغلقا ليحثك على فتحه أو اقتحامه إذا اقتضى الأمر. إن كونه نصف مفتوح أو ربع مفتوح بشكل لا يسمح لك بالدخول ولا برؤية ما وراءه، يبعث على الحيرة، ويجعلك في حال ترقب خروج أحد من خلفه في أية لحظة. للبشر، كما الأبواب، حالات. الإنسان الواضح يمكنك التعاطي معه بيسر وسهولة، والإنسان المغلق، إن عجزت عن اقتحام عالمه، ولّيت عنه الأدبار. لكن أصعب أنواع البشر هم الناس المواربون. إن عالمهم ينطوي على شيء من الخديعة، لا تعرف أهم يدعونك للإقبال أم للإدبار. إنه الغموض في أبغض تجلياته، لا يقبلونك ولا يرفضونك، لا يحبونك ولا يكرهونك، وتحار كيف السبيل للتعامل معهم، فهو أشبه بالمشي على خط السيرك الرفيع الذي يهددك بالوقوع عنه في كل لحظة.
صحيفة الايام
23 فبراير 2008