المنشور

تداعيات قضية النقابيين المفصولين.. إلى أين؟


لقد باتت عملية الفصل التعسفي لثلاثة عشر نقابيا، من قبل مؤسسات وشركات القطاع الخاص، تقض مضاجع المفصولين بترسيخ آلامهم واستلاب حقوقهم، بقدر ما أثار هذا المسلسل من الفصل التعسفي الجائر استياء افراد المجتمع البحريني، وامتعاض مؤسسات المجتمع المدني، وفي مقدمتها الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الذي يحاول بتضافر جهوده وحيثية مجهوداته، ان يجد الحلول الناجعة لقضية هؤلاء المفصولين، من ضمنها مطالبته بوضع “قضية المفصولين النقابيين في التقرير الحقوقي” “تقرير حقوق الانسان” الذي ستضعه وزارة الخارجية البحرينية.. ناهيك عن المطالبات المستمرة والاعتصامات التي يقوم بها المفصولون، بدعم ومؤازرة الجمعيات السياسية والنقابية والاهلية، ومن خلال الندوات واللقاءات.. وآخرها اعلان الاتحاد النسائي والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، تشكيل لجنة عمل مشتركة، تهدف بجوهرها إلى دعم المفصولين النقابيين بطرح قضيتهم امام منظمات دولية وفي مقدمتها “منظمة العمل الدولي”. ويبقى القول صحيحا بهذا الصدد: إنه لا يمكن ان نتحدث عن وجود الحرية السياسية بينما العدالة الاجتماعية تظل غائبة.. كما لا يجوز القول ان يمارس الفرد في صميم المجتمع مفاهيم وتداعيات الاصلاحات العامة في الوقت الذي يشد فيه المواطنون الاحزمة على البطون سواء بفعل بطالتهم وعطالتهم او خلال معاناتهم الفصل التعسفي في كثير من الاحيان.. كما انه لا يعقل فصل اضداد المقولة الشهيرة او تشويه مغازيها ودلالاتها القائلة: “ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ولا حرية لجائع أو محتاج”. وهكذا نجد العقليات الادارية لدى بعض مؤسسات وشركات القطاع الخاص، قد ظلت في جمود بمزيد من مظاهر البيروقراطية والاستبدادية، من دون أن تتفاعل مع حقائق المرحلة التاريخية للمجتمع من تداعيات وفعاليات مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها البرلمان، ومن دون ان تواكب الحراك السياسي والحراك الاجتماعي والحراك الاقتصادي.. ومن ثم فصل هؤلاء من اصحاب الاعمال والاداريين الواجبات عن الحقوق.. ومبدأ العقاب عن مبدأ الثواب، بقدر ما سعى هؤلاء الى فرض علاقة انتاجية غير متكافئة ما بين الطرفين (اصحاب العمل والمستخدمين) اتسمت بالاستغلال الطبقي الفاحش ومصادرة حقوق العاملين والنقابيين.. وذلك من خلال وضع انظمة ولوائح وقوانين ادارية، قائمة على اساليب استبدادية وأوتوقراطية، وأهواء ذاتية بعيدة عن المشاركة الجماعية في ظل سوء الادارة وطغيان الفردية، واستشراء الفساد والمحسوبية. وفي ضوء ذلك تأتي نتائجها وخيمة على العاملين لدى هذه المؤسسة او تلك، وتتوج عادة بمسلسل الفصل التعسفي للعمالة البحرينية، وعلى رأسها فصل الثلاثة عشر نقابيا.. من هذا المنطلق وفي ضوء معاناة العاملين (الطرف الضعيف) عبر العلاقة الانتاجية غير المتكافئة فانه يحق لمؤسسات المجتمع المدني والاتحاد العام لنقابات عمال البحرين مطالبة السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، بالذود عن ظروف العمال البحرينيين وأوضاع النقابيين، بممارسة حقوقهم المشروعة، وانشطتهم النقابية والعمالية، واعتصاماتهم ومطالبهم المنشودة في التمتع بروافد العيش الكريم الخالية من الضيم والحيف والمضايقات والفصل التعسفي، بقدر ما يحق للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين اعلانه وتصريحاته حول اللجوء إلى رفع قضية المفصولين (الثلاثة عشر نقابيا) الى المنظمات الدولية، وعلى رأسها منظمة العمل الدولية، في حالة عجز الحكومة وعجز البرلمان عن تقديم الحلول المنشودة بعودة هؤلاء النقابيين المفصولين الى اعمالهم، الذين القي بهم على قارعة الطريق من دون مكانة لمواطنتهم ولا اعتبار لحقوقهم وكرامتهم. غني عن البيان انه حينما اسلفنا القول: إنه يحق للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين رفع شكوى لدى منظمة العمل الدولية ضد شركات القطاع الخاص المعنية بفصل العمالة البحرينية والثلاثة عشر نقابيا، فان ثمة اسبابا مشروعة قد اقتضت بموجبها رفع تلك الشكوى.. اهمها عملية تهميش النقابات العمالية في القطاع الخاص، واقصائها عن المشاركة الفعلية والحقيقية في اتخاذ القرارات العمالية النقابية والوظيفية.. اضف الى ذلك تضييق الخناق حول اعناق النقابيين بسياسة التشريد والتهميش، وأيضا عملية التراجعات في مجال العدالة الاجتماعية والقضايا النقابية.. ناهيك عن استغلال القطاع الخاص للمادة رقم (110) من قانون العمل، وتوظيفها لصالح الشركة وصاحب العمل، التي تعطي – اي المادة رقم 110 – الخيار لادارة المؤسسة بالرفض او الموافقة على عودة المفصول من عمله. ولعل من الاهمية بمكان القول: ان عمليات الفصل التعسفي للعمالة البحرينية ورؤساء نقاباتها العمالية، من قبل مؤسسات القطاع الخاص، جاءت انعكاسا لتجاهل ومعارضة “ديوان الخدمة المدنية” تشكيل النقابات الحكومية، بقدر عجز النواب تحت قبة البرلمان عن ابراز قانون العمل الجديد الى حيز الوجود. من هنا فإن واقع العمالة الوطنية والناشطين النقابيين يطرح سؤالا بالغ الاهمية هو الى متى ستظل حقوقهم العمالية والوظيفية والنقابية منقوصة ومصادرة ومهضومة؟ بقدر ما يتساءل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين: الى متى سيظل قانون العمل الجديد رازحا بين ادراج البرلمان؟ 

صحيفة أخبار الخليج 
22 فبراير 2008