يسترعي الانتباه تقرير اقتصادي مهم جداً نشر مؤخراً، يتصل بالخسائر التي لحقت باقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي جراء ارتباط قيمة عملاتها بالدولار الأمريكي الذي انخفضت قيمته في العام الماضي بنحو 10 في المائة. حسب التقرير الذي نشرته وسائل الإعلام السعودية فإن هذه الخسائر بلغت نحو 60 مليار دولار خلال العام الماضي، بينها 37 مليار دولار بسبب انخفاض قيمة الصادرات الفعلية لدول المجلس و23 مليار دولار على هيئة ارتفاع قيمة وارداتها الفعلية. تحدث التقرير عن القلق الكبير الذي يساور الأوساط السياسية والاقتصادية والشعبية الخليجية لأن المصارف المركزية في دول الخليج باتت تمارس سياسات نقدية بحكم أمر الواقع الأمريكي المفروض عليها المتمثل في قيام مصرفها المركزي بتخفيض سعر فائدته بعكس احتياجات اقتصاداتها في الوقت الحاضر، ما يضع حاضر ومستقبل هذه الاقتصادات وبرامج التنمية فيها والواقع الحياتي لمواطنيها موضع تساؤلات مقلقة وخطيرة. ويحذر واضعو التقرير من أنه آن الأوان للتعامل مع السياسة النقدية بكل جدية، وعلى مستوى ما تنطوي عليه من مخاطر حقيقية وأنه يجب عدم تجاهلها تحت أي ذريعة من الذرائع. التضخم المزدوج في دول الخليج، حسب التقرير، يعود إلى عاملين أساسيين مرتبطين بالدولار هما سعر صرف الدولار وسعر الفائدة عليه، لأنه إذا تم خفض الفائدة على الدولار واتبعه خفض الفائدة المحلية مع ثبات سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الذي يتهاوى سعر صرفه مقابل العملات الرئيسية الأخرى في هيكل واردات الخليج فستنتج من ذلك ظاهرة التضخم المزدوج. صغر اقتصادات دول الخليج ومحدودية شركائها التجاريين يجعلاها غير قادرة على السيطرة على الوضع الجديد للدولار، لذلك نجدها تواجه ضغوطاً تضخمية بسبب تراجع الدولار، إلا أنها قادرة على مواجهة هذه الضغوط بآليات مالية واقتصادية تتطلب شيئاً من الجسارة. يُذكّر التقرير بالموقف الصعب للغاية الذي تجد دول مجلس التعاون الخليجي نفسها في الوقت الحاضر، وبما سبق أن دعت إليه فعاليات اقتصادية مهمة في دول المنطقة، لا بل وبعض كبار المسئولين عن السياسات المالية. والاقتصادية فيها، من أن أمام دولنا خيارين لا ثالث لهما هما إما فك الارتباط بالدولار لمرة واحدة لتعديل أسعار الصرف أو الارتباط بسلة عملة تجارية الوزن.
صحيفة الأيام
19 فبراير 2008