إذا صح ما نشرته “الأيام” أمس من أن جمعية المقاولين البحرينية بدأت الترتيب في استبدال العمالة الهندية بخيارات أخرى متاحة، بينها العمالة الباكستانية والبنغالية والنيبالية والفيتنامية، فإننا نكون بصدد تفكير آخر غير سديد، لا يحل المشكلة وإنما يفاقمها. مثل هذا التفكير يهرب من جوهر المشكلة المتصل بالأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشها العمال الأجانب الذين يستخدمون في انجاز المشاريع العمرانية الطموحة، وهي مشكلة لن يحلها استبدال جنسية بأخرى، ذلك أن المعاناة الإنسانية واحدة، وما قام به العمال الهنود من إضراب احتجاجا على سوء أوضاعهم، ومطالبة بتحسينها يمكن أن يقوم به عمال آخرون بصرف النظر عن جنسياتهم. حتى الآن ما زال البعض يتصرف كما لو أن العالم لم يتغير، فطريقة معاملة العمال الأجانب والمهاجرين باتت اليوم في دائرة الضوء، وتحت رقابة المنظمات الدولية المعنية، التي لم تعد في وارد الصمت عما تتعرض له العمالة الآسيوية في بلدان الخليج من سوء معاملة في الأجور وفي ظروف العمل. السفير الهندي في البحرين صرح أمس أن تصريحاته أُسيء فهمها، وانه لم يكن يقصد تحريض عمال بلاده على إعلان إضرابهم، لأن التذمر في صفوفهم سابق لتصريحاته، وفي كل الأحوال لا يجوز التحامل على سفير دولة معنية برعاية حقوق أبنائها في البلد الذي يمثل دولته فيها، وإنما يجب البحث عن أساس المشكلة. المشكلة ليست في تصريحات السفير، وإنما في معاناة العمال الهنود وغير الهنود، وهو الأمر الذي يجب التوقف أمامه وتسويته عبر سلسلة من التشريعات والتدابير التي تتواءم مع المستجدات في سوق العمل، ومع القواعد الدولية المرعية في مسألة حقوق العمال الأجانب. لم يعد جائزا الاستخفاف بهذا الأمر، في بلد مثل بلدنا يعتمد كل هذا الاعتماد على العمالة الأجنبية، وتشير الأرقام الأخيرة إلى أن الخلل في تركيبتنا السكانية بلغ مدى غير مسبوق، فقد فقدنا الميزة التي كانت البحرين تتباهى بها سابقا، عندما نقارن حالنا بأحوال أشقائنا في دول الخليج الأخرى، من أن نسبة البحرينيين من إجمالي سكان البلد هي الأعلى، على خلاف ما هو موجود في البلدان الخليجية الأخرى. ولأول مرة في تاريخنا يبلغ عدد الأجانب في البحرين أكثر من البحرينيين، وإن تُرك الأمر على ما هو عليه فعلينا توقع الأسوأ، لا في مجال العلاقة مع العمالة الأجنبية وحدها، وإنما في مجمل تداعيات صورة التركيبة السكانية في البلاد اقتصادياً واجتماعياً، وحتى من وجهة نظر ثقافية صرفة. إن العالم يتغير من حولنا وبسرعة قياسية، فهذا العالم سائر نحو المزيد من التداخل والترابط، وما كان يُنظر إليه، حتى وقتٍ قريب، على انه شأن داخلي لهذا البلد أو ذاك لم يعد كذلك. كل القضايا اليوم عُرضة للتدويل، وقضية بحجم العمالة الأجنبية واحدة من هذه القضايا التي يجري تدويلها، فلنتهيأ للتعاطي معها على أنها كذلك، بدل اللجوء إلى حلول الترقيع باستبدال العامل الهندي بالباكستاني أو سواه. فالقضية في جوهرها واحدة ومن العبث الهروب منها بمثل هذه “المعالجات” القاصرة.
صحيفة الأيام
18 فبراير 2008