الأمر الذي يتجاهله كثيرون، أن هناك من لا يزال يصر على جعل البلد كله عقاراً معروضاً للبيع والاستثمار من دون أدنى مراعاة أو اعتبار للبعد البيئي..
وكم هو مخيب للآمال أن من نظن أنهم مسؤولون ومعنيون بالشأن البيئي، وأننا منهم نستفيد ونستزيد لا يرون بأن البيئة السليمة حق أساسي من حقوق الإنسان، وأنه لا يمكن أن تنفصل تدابير ورعاية البيئة عن التنمية العادلة المتوازنة، فالبيئة السليمة تعني نوعية الحياة، وإمكان الاستمرار في العيش دون منغصات في آن واحد، وسيكون من الخطأ الفادح تجاهل الثمن الباهظ من إهمال الاعتبار البيئي في أساس المعادلة التنموية والاقتصادية، فالخسائر الاقتصادية عن التدهور البيئي يمكن أن تفوق معدلات أي نمو في المسارين التنموي والاقتصادي.
ورغم كل العناوين والشعارات نفاجأ بأنه لا توجد لدينا حتى الآن رؤية استراتيجية تصوّب الوضع البيئي الراهن، وتحدث عملية اقتحام جريئة وواعية وعلمية ومدروسة لمشكلة البيئة، وتضع الملف البيئي برمته في صدارة أولويات الدولة، وبحيث لا يختزل الاهتمام بهذا الملف كما هو حاصل الآن ببرنامج، أو إجراءات، أو ندوات، أو تصريحات، أو وعود وتطمينات يفهم منها كل صاحب عقل رشيد أنها عديمة الجدوى والفاعلية، ولذلك فلن نستغرب ولن نفاجأ من استمرارية ما يجري أمامنا من تعديات ومخالفات صارخة على البيئة، ولعلنا في هذا السياق نستشعر غصة أمام نوعية من الأخبار التي نشرت في الأيام الماضية فقط والتي تعبر عن أحد أوجه المشكلة البيئية، ودونما الدخول في التفاصيل، فإن هذه الأخبار والتعليقات تشير على سبيل المثال إلى قيام مستشفى خاص بإلقاء نفايات طبية خطرة في حاويات النفايات المنزلية، كما تتطرق إلى عجز الجهات المعنية الاعتراض على مشاريع تنسف الثروات البحرية، وأن هناك مشاريع استثمارية تقدر بعشرات المليارات من الدنانير تستثمر على حساب ثرواتنا البحرية، وتجعل البحر والهواء والماء والموارد الطبيعية عرضة لأنواع ومستويات مختلفة من الملوثات.
نعلم أنه لا يمكن معالجة المشكلات البيئية دفعة واحدة، ولكننا نعلم أيضاً أهمية وضع الشأن البيئي في سلم الأولويات، وفي مقدمة محاور الرؤية والاستراتيجية الاقتصادية والتنموية المستقبلية للبحرين التي نفترض بأن مجلس التنمية الاقتصادية قد انتهى من وضعها، وعلى جهات الاختصاص أن تباشر دون تلكؤ تحديد حجم المشكلة البيئية بكل جوانبها وأبعادها وبكل شفافية، وعلينا معرفة الضرر الذي لا يمكن إصلاحه جراء هذه التعديات الحاصلة على البيئة، والأثر على صحة الإنسان، وعلى نوعية الحياة، والسياسة البيئية المتبعة حالياً إن وجدت، وإمكانات التوقف فوراً عن أي عمل ينتج ضرراً بيئياً، حتى لو أدى هذا التوقف إلى تأخير في مشاريع اقتصادية أو إلغائها طالما تلحق ضرراً فادحاً بالبيئة، كما علينا معرفة مدى جاهزيتنا في التوصل إلى خطة تفصيلية عاجلة تعتمد على سياسات ومعايير ومؤسسات وأدوات وتدابير تنفيذية ومدعومة قانونياً وتشريعياً حتى نكون قادرين ومؤهلين على إدارة الملف البيئي بكل كفاءة واقتدار، دون أن ننسى دعم الجهاز المعني بالبيئة وتقويته بالكفاءات والخبرات.
هناك العديد من الأفكار التي يمكن بحثها اذا انوجد الاهتمام الفعلي الذي يأخذ مداه الحقيقي بالشأن البيئي، فعلينا ضمن هذه الأفكار أن نبحث تعزيز دور الجمعيات الأهلية في مجال حماية البيئة، خاصة جمعية حماية البيئة، كما ندعو الى تفعيل دور المعاهد العلمية والجامعات والشركات والمنظمات في مجال حماية البيئة ونشر تقارير دورية حول وضع البيئة في البلاد، بالإضافة إلى تدارس فكرة إنشاء مجلس أعلى للبيئة كهيئة سياسية مكلفة بمهمة حماية البيئة والتنسيق البيئي بين الوزارات والأجهزة المختلفة ومخولة باتخاذ قرارات ملزمة، كما يمكن في إطار هذا المجلس بحث تشكيل هيئة طوارئ بيئية من أبرز الاختصاصيين والخبراء وذوي العلاقة، تكون مهمتها أن تنجز في أسرع وقت ممكن مسحاً لجميع المشاريع والبرامج البيئية لتقييم نتائجها ومراحل تنفيذها وتقرير إمكانات الاستفادة المثلى منها، وتحدد الأولويات البيئية التي يجب معالجتها خلال سنة مثلاً لتخفيف حدة التدهور البيئي إلى حين بدء تنفيذ برامج الإدارة البيئية المتكاملة التي تتيح إجراء المحاسبة وتحديد مواقع النجاح والفشل، إلى جانب إنشاء أجهزة بيئية فنية لمتابعة الملوثات والقضايا البيئية في مجالات وقطاعات مثل البلديات، الكهرباء، النفط، الصناعة، والانبعاثات الغازية المسموحة من المصانع والآليات والسيارات وغيرها، وفرض تطبيق معايير صارمة بالمراقبة والتفتيش والغرامات والجزاءات.
أخيراً، لابد أن نعي جيداً أن حماية البيئة هو استثمار في المستقبل يقوم على حس بالانتماء المجتمعي، وأن تدهور البيئة هو خسارة للموارد يقود حتماً إلى مسارات تنموية غير سليمة. والسؤال الكبير والمهم ليس ما اذا كان هناك اهتمام أو نوايا صادقة في مجال حماية البيئة، أو أن مشروع قانون بشأن حماية البيئة المعروض على السلطة التشريعية والذي بشرنا بأنه يتماشى مع متطلبات حماية البيئة يترجم هذا الاهتمام، ويعكس تلك النوايا، وإنما هو ما اذا كانت ارادة حماية البيئة الحقيقية متوافرة أم لا؟!
صحيفة الايام
15 فبراير 2008