المنشور

البيت الهزاز‮!!‬

لا أعرف لماذا كلما تابعت عن كثب أو عبر وسيط أو خلسة أو عن بعد جلسات المجلس النيابي التي تعقد في عاديتها واستثنائيتها أو على غير عادتها أو بواعز من أحد، ينتابني شعور بأن هذا المجلس ممثلاً في أعضائه ـ ممثلو الشعب والوطن ـ بحاجة ماسة إلى طبيب نفساني يباشر مهام علاجه النفسي لهؤلاء النواب قبل جلساتهم وأثنائها وبعدها كي يستقيم أمر الشعب والوطن، ولا شك أن هذا الطبيب سيحتاج إلى مساعدين له في العلاج، ذلك أن مهمة علاج هؤلاء النواب صعبة ومعقدة بالتأكيد، خاصة وأنهم لم يتخلوا عن أمزجتهم الخاصة عندما وصلوا إلى قبة البرلمان، ولعل أول العلل النفسيةـ موضع التشخيص وأهمها ـ  إصابتهم بداء (الشخصية المهزوزة)، فمنذ بدأت جلسات الفصل التشريعي الثاني والحال حتى لحظة كتابتي هذا الموضوع ولحظة قراءتكم له في زاويتي الرأي اليوم، لم يستقر ولم يرسُ على بر يشكر(شوكه)، ففي الوقت الذي تعاني فئة كبيرة من الشعب من التعطل وحمى الغلاء وتدني الأجور، يلهث النواب حول زيادة أجورهم وضمان تقاعدهم ويدور بينهم خلاف ـ تخيلواـ حول هذه القضية (مطالبين) الشعب الوقوف معهم في هذه (المحنة) بمقابل مستقبلي أو بمقابل (وهمي) أو من غير مقابل، ويظل هذا اللهاث جارياً حتى يحسم الشعب أمره، باعتبار الشعب في مثل هذه القضية (ممثلاً) للنواب في الشارع، ولأن القضايا والأفكار على الطريق كما يذهب الجاحظ، فإن قضية الاختلاف حول بيع الرجال لملابس النساء الداخلية جائز أم غير جائز مسألة واردة، أما قضية تسريح العاملات في مصانع الملابس أو تدني أجورهن فهي مسألة ليست من اختصاصهم حتى يحسم أمر الملابس الداخلية في المجلس، وبدلاً من الحوار والاختلاف حول المستوى الأكاديمي في جامعات البحرين وكيفية تطويره والارتقاء به، ينصرف نوابنا الأفاضل إلى مسألة فصل الجنسين في الجامعات وزيادة جرعة المواد الدينية والأخلاقية في المناهج، وحين يحتدم الجدل حول هذه المسألة فيما بينهم أو بينهم وبين معارضيهم تهمل القضية لبعض الوقت ويوكل أمر التصدي لها لبعض الجمعيات الإسلامية في البلد، وفيما يفتك غول الغلاء بالمجتمع، يقبل النواب بالأربعين مليون دينار كحل للتصدي لهذه المشكلة، وحين يحسمون أمر قبولهم يعودوا ثانية للاختلاف حول ما إذا كانت هذه الأربعين كافية وشافية أو العكس، وتظل قضية الأربعين مليون متفاعلة في الشارع ونوابنا في حالة حيرة واضطراب من أمرها حتى يقول (برلمان) الشارع قولته فيها ويعود الجدل العقيم ثانية بين النواب حول ما إذا كانت هذه المقولة من بنات (قراراتهم) أو من أولاد جمعياتهم التي تمثلهم خارج البرلمان، ولا عتب على الحكومة في هذا الشأن طالما النواب الأفاضل لم يجادلوها بشأن زيادة هذه الأربعين أم بعدم جدواها، علماً بأن لدى بعضهم مستشارين اقتصاديين، فهل لجأوا إليهم في هذا الشأن، أم ظنوا أنهم كسبوا رهان رضا الشعب عليهم بهذه الأربعين؟
أعجب من نواب يناقشون قضايا والشعب يناقش قضايا أخرى، يتشاجرون حول قضايا لا تستحق حتى أن تثار في المجلس أو الشارع بينما الشارع نفسه يعلن حسرته على انتخابه مثل هؤلاء النواب الذين بشجارهم يعلنوا من جهة أخرى صدهم عن قضاياه ومطاليبه الملحة.
أعجب من نواب لا يزالوا يعلنون مقاطعتهم لبعض المسئولين أو لمناقشة بعض القضايا حتى وهم في داخل البرلمان، وكما لو أنهم يدارون حرجاً سببه قبولهم (ردم) مقاطعة المشاركة البرلمانية، مع أن مثل هذه المقاطعة تتملك قابلية التراجع بعد (هنيهات) ووفقاً لحالات ربما تقتضيها الخشية من العزلة.
هل يعقل أن يناقش النواب أو يخضعوا الفكر والرأي للحجر في جلساتهم، كما حدث مع بعض الكتب التي تم الإفراج عن بعضها؟ هذا الفكر الذي استثمر البعض أهمية الإفراج عنه نكاية في طائفة أخرى لا حباً فيه، وهو البعض الذي يحجر في موقع آخر قضية تتصل بالفكر لأن نواب طائفة أخرى رفضت الحجر عليها.
وأنموذج هؤلاء النواب حين يخرج من بيت النيابة يلبس لبوسا آخر في الندوات التي يدعى للكلام فيها، فتراه في حالات مختلفة أو مضطربة وفي أحيان أخرى تتساءل: كيف تم انتخاب هذا النائب للبرلمان وهو الذي لم يستطع حتى الدفاع عن رأيه حين يناقش فيه؟
أليس مثل هؤلاء النواب الذين يتحمل الشعب وسيتحمل إلى أمد غير قريب عبء اضطرابهم النفسي وعبء قلقه اليومي بسببهم بحاجة إلى طبيب نفسي؟
أقنعوني يا عالم بقضية مؤرقة حلها نوابنا في البرلمان أو استمر في محاولة فك عقدها وطلاسمها؟ هل يعقل أن يتصدى لقضايا الشعب نواب (مهزوزي) الشخصية ؟ !
 
صحيفة الوطن
14 فبراير 2008