اضراب العمال الهنود العاملين في مشروع درة البحرين، شأنه شأن إضرابات أخرى سابقة للعمال الهنود، والآسيويين عامة، في البحرين وفي سواها من بلدان الخليج يقتضي وقفة، لا بل عدة وقفات جادة. يعنينا هنا في المقام الأول الدفاع عن الحقوق الإنسانية المشروعة للعمالة الأجنبية في بلادنا وفي بلدان الخليج التي تتعرض لمعاملة مهينة من قبل الشركات وأرباب العمل الذين يجلبونها لتنفيذ المشاريع الطموحة، خاصة مع فورة التوسع العمراني والاستثمار في العقار التي تجتاح المنطقة، بما فيها البحرين، وهي فورة تعزز النمط الاستهلاكي في إيقاع الحياة الراهنة، جريا وراء السهولة في الاستثمار الذي تتضاعف عائداته في سرعة قياسية. مثل هذا النمط من النشاط الاقتصادي يستدعي هذه الكثافة في جلب العمالة الأجنبية، الآسيوية منها خاصة، لتشغيلها في نوبات عمل متتالية تكاد تغطي، لا بل إنها بالفعل تغطي، ساعات اليوم الأربع والعشرين، وفي ظروف عمل قاسية تفتقد الحدود الدنيا من المعايير المرعية في العمل، ناهيك عن الرواتب الزهيدة التي تمنح لهم. وتدني رواتب هؤلاء العمال، هو ما حدا بالسفير الهندي في مملكة البحرين إلى الاصرارعلى أن لا يقل رواتب العمال الهنود الذين يستقدمون للعمل في البحرين عن ٠٠١ دينار، بدءا من مارس القادم. وهناك من سعى، مُغرضاً، لاعتبار تصريح السفير الهندي بمثابة تحريض غير مباشر للعمال الهنود في البحرين على إعلان إضرابهم، وهو أمر نفاه السفير، لكن هذا يحثنا على التساؤل: أليست مسؤولية سفير دولة مهمة وكبيرة مثل الهند هي الدفاع عن مصالح أبنائها في الغربة، خاصة وان عدد هؤلاء كبير، ويشكل عمادا رئيسيا من أعمدة النشاط الاقتصادي الجاري حولنا؟! إضراب العمال الهنود هو ممارسة مشروعة لحقٍ تضمنه الأعراف والتشريعات الدولية المرعية، لمواجهة ما يتعرضون له من استغلال وتدنٍ في الأجور، خاصة مع الارتفاع الجنوني في الأسعار، وواجب الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، ومجمل الحركة النقابية في البلاد أن تعبر عن التضامن مع العمال الهنود ومؤازرتهم. أما الجهات التي استقدمت هؤلاء العمال لانجاز المشاريع التي تنفذها فإنها مطالبة بالاستجابة للمطالب المشروعة لهؤلاء العمال في تحسين أوضاعهم وظروف عملهم، ولم يعد بوسع هذه الجهات التصرف بلا مبالاة تجاه هذه المطالب، فمراعاة حقوق العمال الأجانب اليوم باتت مسألة تحت رقابة المنظمات الدولية المعنية بالعمال، فضلا عن أن سفارات وممثليات الدول التي ينتسب إليها هؤلاء العمال، لم تعد في وارد الصمت عما يتعرض له أبناء بلدانها من سوء معاملة وتعسف وانتهاك للحقوق. غني عن القول، إن هذا الإضراب وسواه من الإضرابات المشابهة السابقة التي يمكن أن تنظم في المستقبل، تطرح على بساط البحث مسألة العلاقة مع العمالة الأجنبية من حيث آليات استقدامها وتشغيلها، وحدود الاعتماد عليها في انجاز مشاريع التنمية في بلدان تعاني من البطالة حينا، ومن الترهل الوظيفي حينا آخر، كما هو الحال في بعض البلدان الخليجية. السؤال الكبير هو: إلى متى ستظل بلدان الخليج، والبحرين ليست استثناء من ذلك، معتمدة على هذا العدد الكثيف من العمال الأجانب، في وقت ما زلنا عاجزين فيه عن الوفاء بحقوق مواطنينا؟
صحيفة الايام
12 فبراير 2008