مساء الأحد الموافق العاشر من فبراير 2008 نظم المنبر التقدمي ندوة، ضمن ملتقاه الأسبوعي، تحدث فيها المحاميان حسن إسماعيل وحميد الملا عضوا هيئة الدفاع عن المتهمين في الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد في ديسمبر الماضي، والتي توفي، في نتيجتها، أحد الشباب هو علي جاسم، كما شنت قوات الأمن حملة اعتقالات وتوقيفات واسعة، فضلاً عن مداهمة عدد من البيوت، لا بل ومقر إحدى الجمعيات السياسية، هي جمعية العمل الإسلامي. في معرض حديثهما أشار المحاميان المتحدثان إلى وقائع دامغة عن عودة أجهزة الأمن إلى ممارسة التعذيب الممنهج، الذي يراد به انتزاع أو إملاء اعترافات على المتهمين، قبل إحالتهم للنيابة العامة ليدلوا بهذه الأقوال تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة. كما جرت الإشارة أيضا إلى أن النيابة العامة التي يفترض فيها أن تكون جهة قضائية مستقلة وذات مصداقية، أظهرت تواطئها مع أجهزة الشرطة في الضغط على المتهمين وإساءة معاملتهم، هذا فضلا عن الاهانات التي تعرض لها ذوو المعتقلين أمام مبنى النيابة. ولأن الندوة كانت تحت عنوان:” أوجه الإخلال بالضمانات القانونية للمتهمين في أحداث ديسمبر”، فان المحامين المتحدثين في الندوة، إسماعيل والملا، عرضا لتجاوزات أخرى ارتكبت في حق المتهمين، بينها تغييب محاميهم عن مراحل التحقيق وتسجيل إفاداتهم أمام النيابة، ومنع عائلاتهم وذويهم من الالتقاء بهم، وهو الأمر الذي جرى تفسيره على انه بهدف منعهم من رؤية آثار التعذيب على أجساد أبنائهم، لكي لا يتحولوا فيما بعد إلى شهود في المحكمة على هذا التعذيب. وبالفعل فان زيارات الأهالي، واللقاء مع المحامين لم يسمح بها إلا بعد أن زالت آثار التعذيب عن المتهمين، كما أن الشهادات الطبية التي ستمنح للمتهمين بعد الاستجابة لمطالب محاميهم بعرضهم على الطبيب، لن تشخص آثار التعذيب، لأنها تكون قد اختفت. هذه الممارسات القمعية تعيدنا مجددا إلى الأجواء الأمنية البغيضة التي عاشتها البحرين نحو ثلاثة عقود في حقبة أمن الدولة، وهي في المقام الأول تعيدنا إلى المعاملة الحاطة بكرامة الإنسان وبسلامته الجسدية والذهنية ، وهي المعاملة المحظورة بموجب القانون، والتي تترتب عليها حقوق المساءلة القضائية ضد مرتكبيها، كما إنها تشكل انعطافة سلبية في اتجاه إعادة هذه الممارسة، وجعلها قاعدة متبعة في التعاطي مع الموقوفين ليس هذه المرة فحسب، وإنما في المستقبل أيضاً. لقد أحرزت البحرين سجلاً مقبولاً، في صورة عامة، في التعاطي مع ملف حقوق الإنسان منذ إقرار ميثاق العمل الوطني، وأشادت تقارير دولية مختلفة بما أنجز في هذا السياق، لكن للأسف الشديد فان ما جرى في الأسابيع الماضية، شكّل، بكل المقاييس، تراجعا عن هذا المنجز، مما يشكل إساءة لسمعة البحرين ورصيدها لدى الهيئات الدولية المعنية.
خاص بالتقدمي