في أوروبا الوقود (Fuel) والغذاء (Food) مسؤولان عن ارتفاع التضخم بنسبة 6,3٪.وفي الولايات المتحدة يختلط قلق المسؤولين الحكوميين وأوساط قطاع الأعمال ما بين الخوف من تحول التباطؤ الاقتصادي إلى ركود والخوف من أن يغذي التراجع الحاد لسعر صرف الدولار أمام بقية العملات العالمية والخفض المتواتر لسعر الفائدة الأمريكية، من أن يغذي صعود مؤشر التضخم في إعادة إنتاج لظاهرة الركود التضخمي السبعينية الشهيرة.
وفي المملكة العربية السعودية بلغ معدل التضخم 5,6٪، وهو الأعلى منذ 13 عاماً. وفي قطر والإمارات العربية المتحدة سجل التضخم مستويات غير معهودة قياساً إلى المستوى الخفيض جداً التي ظلت تتمتع به الاقتصادات الخليجية إلى ما قبل 4 سنوات فقط. وقد أفرز هذا المستجد النقدي ارتفاعاً كبيراً في أسعار سلة واسعة من السلع الاستهلاكية والمعمرة ما أثر سلباً على المستويات المعيشية لشرائح واسعة من السكان.
وإزاء ذلك اضطرت حكومات دول مجلس التعاون لاتخاذ إجراءات للتخفيف من وطأة هذا العبء المعيشي عن مواطنيها، وذلك من خلال رفع رواتب وأجور العاملين في قطاعات الدولة المختلفة، واعتماد مخصصات مالية إضافية لتوفير نوع من الدعم لمجموعة سلعية منتخبة.
ولم تشمل تلك الإجراءات العاملين في القطاع الخاص الذين تُرك مصيرهم للمؤسسات التي يعملون فيها لتقرره، باعتبار أنْ لا ولاية للدولة على القطاع الخاص.
ومع ذلك فان هذه الإجراءات الوقائية لا تساعد كثيراً على تجاوز مشكلة ارتفاع الأسعار وآثارها المباشرة على القدرة الشرائية والمستويات المعيشية للسكان، لسبب واحد وهو أنها لا تعالج ‘التسرب’ (Leakage) وتُوقف تدفقه من المجرى.بل لعل رفع الأجور وزيادة مخصصات الدعم ربما أوقع الدولة في حرج بعد انقشاع موجة ارتفاع أسعار النفط في وقت تكون (الدولة) قد حمَّلت نفسها أعباء انفاقية إضافية، وأسهمت من حيث لا ترغب في الحفاظ على دفق ‘تسخين’ الطلب على السلع الاستهلاكية وبالتالي ‘توقيد’ (Fueling) التضخم.
ومعلوم أن التضخم الجامح الذي تتعرض له الاقتصادات الخليجية اليوم والذي تحول في عديد الحالات، وفي غير بلد من بلاد العالم، اليوم، إلى ما يسمى بالتضخم المفرط (Hyper inflation) والذي تصل نسبة ارتفاع الأسعار بموجبه إلى 100٪ سنوياً يفقد الناس خلاله الثقة في العملة ويحتمون بالذهب والعقار والأصول المتينة - له أسباب خارجية وأخرى داخلية. الخارجية تتصل بما يسمى التضخم المستورد عبر اقنية التجارة الخارجية والمنطوي على ارتفاع في الكلف الإنتاجية (نتيجة لارتفاع أسعار النفط ومصادر الطاقة والمدخلات الصناعية الأخرى)، وانخفاض سعر صرف الدولار مقابل العملات العالمية الرئيسية وما يترتب عليه حكما من انخفاض سعر أسعار صرف العملات الخليجية وقوتها الشرائية المكافئة (Purchasing Power Parity-PPP) بسبب ارتباطها بالدولار، وأخيراً وليس آخرا بسبب ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية عالميا نتيجة لاتجاه عدد من الدول الزراعية الرئيسية مثل الولايات المتحدة الأمريكية والبرازيل لإحلال زراعة بعض المحاصيل الزراعية مثل الذرة الحلوة والبطاطا الحلوة محل بعض المحاصيل الأخرى بهدف استخلاص الوقود الحيوي منها وإحلاله محل الوقود الاحفوري (النفط والغاز) لتقليل الاعتماد على النفط تحديدا وتجنب آثار ارتفاع أسعاره، وأيضاً بسبب تكالب بعض صناديق الاستثمار على أسواق السلع المستقبلية الخاصة بالمنتجات الزراعية.
أما الأسباب الداخلية لاندلاع موجة التضخم فتتمثل في حالة الرواج الاقتصادي الكبيرة المحقونة بارتفاع الإيرادات النفطية وزيادة حجم السيولة، وما ترتب عليهما من صعود الطلب الكلي (الإنفاق)، فضلا عن الطفرة غير المسبوقة التي شهدها ويشهدها سوق العقار الخليجي بالتزامن مع الطفرة النفطية الثالثة وبسببها، والتي ألقت بظلالها على أسعار العقار والإيجارات ومنهما إلى بقية السلع والخدمات.
هذه المعطيات، وهي خطيرة بكل المقاييس، ليس بالنسبة لدول مجلس التعاون وحدها، وإنما لكافة الدول النامية، خصوصاً تلك المستوردة لمصادر الطاقة، لم تستدعِ، حتى الآن، رداً مناسباً من جانب اطر التنسيق الاقتصادي العالمية، كما أن عدم الوضوح والجدية هما ما يميزان رد الفعل على الساحة الخليجية فيما يتعلق بمعالجة مصادر تسرب ارتفاع الأسعار.
صحيفة الوطن 10فبراير 2008