على حين غرة التهبت نيران أسعار الحاجات الضرورية، والكثير من الحاجات الكمالية، التي تدخل بتأثير التقليد والتطور، ساحة الضروريات، وتفرض نفسها على الإنسان لأن يقتنيها، ومع ارتفاع الأسعار التي مزقت سكاكينها جيوب الطبقة العاملة، والمسحوقة دخولهم من عامة الشعب، وأفرغتها حتى من بضعة فلوس، كان العامل والمسحوق يعود إليها ليوفر الحد الأدنى من الحاجيات الضرورية الهزيلة له ولأفراد عائلته، وهو قوت من لا يموت، إنقاذ أن ينشب الجوع أظافره في أمعائهم الخاوية على أمراضها وبلاويها، وكنتيجة حتمية في ظل القانون الطبيعي للفعل ورد الفعل، تخرج المسيرات الاحتجاجية مستنكرة ما آلت إليه أحوال الشعب من ترد وانحطاط وتدهور، لم يبق معه إلا تحقيق المثل الشعبي «ما دون الحلق إلا اليدين»، لحظتها يزمجر صوت الرب (السلطة)، هادراً، إنهم فئة من المخربين الخارجين على القانون، وتنسل أقلام الملائكة (أصحاب الصحف) الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، من أغمادها، مستنكرة أن يجرأ الشيطان على رفع صوته فوق صوت الرب، ومطالبة بقطع لسانه وإحلال اللعنات عليه، ولكن هذه الأقلام، عادة ما تكون كليلة البصر، وكسيحة البصيرة، فلا ترى الشوك فوق الورود، ولكن ترى السراب الخادع فوقها إكليلاً.
وفي ظل اختلال الموازين، واختلاط الأوراق، وضياع الحقوق واختراقها في جحيم الباطل، في مثل هذه الأجواء المكفهرة الملبدة بالغيوم، يخرج من يتمطى من بعض النواب المتثائبين، ليتقدموا بمجرد طلب رغبة إلى الحكومة لمناقشة مشكلة غلاء الأسعار، التي لا يدركون أسباب حدوثها، ولا ما خلفها من صراع رؤوس الأموال العالمية، وخصوصاً منها الرأسمالي اليهودي، الذي سنرى نموذجاً من مخططاته في إطار هذا المقال، لكي لا تؤوَّل أقوالنا إلى هراء، وكلامنا مجرد استفزازات، بل لنثبت الحقيقة مجردة من الغايات، ما عدا خدمة المجتمع, وتحقيق الغايات النبيلة. فهل يدرك النواب في فورة هذه الصراعات المحتدمة، بعقول تحاصرها الأفكار الميتافيزيقية، ومدى قوة انطلاق تفكيرهم على الخروج من قمقم حيز أفكارهم الضيقة، لتسبح وتتمدد لتستوعب ما يجد من جديد العلوم والمعرفة على الساحة الكونية المترامية الأطراف، والآخذة في الاتساع مع كل يوم جديد، في مجال العلم والمعرفة في زمن اكتشافات الفضاء؟
ومع كل ذلك نرى من المفارقات المضحكة المبكية، وشر البلية ما يضحك، أن تتحول رغبات النواب إلى الحكومة، من مشكلة عامة إلى مشكلة خاصة تنصب على رواتب تقاعدهم وتوسع رفاهياتهم، ونوع سياراتهم إن هي تكون أو لم تكن مناسبة لشخصياتهم (الباجو) الفارغة من كل ما يرتبط بمصلحة الجماهير، إلا من شرههم المتحرك كالرمال في دائرة توسعية لا قرار لها ولا استقرار. فإذا ما ظلت الأمور تجري في هذه المجاري المأسوية، فلم يبق أمام المواطنين إلا أن يغسلوا أيديهم، ويودعوا أي أمل من وعود الإصلاحات الموعود بها، ومن سعادة يوم آت لم نره، وسوف لم ولن نره.
وثمة ملاحظة تفرضها علينا المبادئ التي نؤمن بها في مجال الانتماء الوطني، بعيداً عن أفعال الانتهازيين والمضللين من المتمصلحين والمتصيدين في المياه العكرة، ألا وهي ظاهرة فتور العلاقات الاجتماعية الواضحة وضوحاً لا تخطئه العين الباصرة ولا تخفى على البصيرة الواعية بين طرفي المجتمع السلطة والشعب، ولما لهذه الظاهرة من خطورة بالغة، صار من المفروض على الإعلام الرسمي ألا يناور عليها ويغطيها لكيلا تؤول إلى وميض نار، خلل كومة من الرماد تحولت إليها العلاقات الاجتماعية، وهي حالة إن لم تدركها العقول المتبصرة وتعمل على إزالة ما يختفي من سيئات خطرة تكمن في ثنايا وتحت رماد العلاقات الاجتماعية المتردية، فإنه لا مفر من أخذ خشية المخلصين من أبناء هذا الوطن بعين الاعتبار، وتحذيرهم أن ينتهي هذا الوضع المتردي إلى أن يكون له «ضرام».
وهنا ننتقل إلى وضع النقاط على الحروف لتثبيت، وتأكيد ما أوردناه في عنان هذا المقال، بأن «بين زيادة أجور العمال، وارتفاع أسعار الحاجات الضروية»، وتكملة العنوان هي: «يكمن وجه شيطان الرأسمال اليهودي العالمي»، وقد استعنا نصه من كتاب «بروتوكولات حكماء صهيون»، من البروتوكول السادس، لمؤلفه المجاهد، العلامة الكبير «عجاج نويهض»، وسنبدأ باقتطافات متناثرة من كامل نص البروتوكل، لنعتمدها مقدمة وتعبيدا يسهل الطريق أمام القارئ، ويهيئ له وصولاً سلسلاً ونظرة شفافة إلى صميم ما أوردناه في العنوان، ومن هنا نبدأ الاقتباس… «وسنشرع دون تأخر في إنشاء أجهزة احتكارية ضخمة، وحشد الثروات، وتجميع الأموال، ليكون كل ذلك محصوراً بأيدينا، وقد أمسى قوة مرهوبة، وفي الوقت نفسه تكون هذه القوة هي المسيطرة على الكبير الوافر من ثروات الغوييم…».
وفي موقع أخر في سياق هذا البروتوكول يقول: «ولما كانت ارستوقراطية الغوييم غي معتادة بحكم أساليبها القديمة الموروثة، أن تقتنع بالقليل من الخير، ودأبها الطمع فيه والاستكثار منه، فسيضطرب أمرها أي اضطراب يخرجها عن طورها لعدم قدرتها على تحمل العوز والقلة، فتنادي بالويل والثبور، ويجب علينا في هذا الوقت نفسه أن نكون أصحاب الهيمنة على أوسع نطاق ممكن، على التجارة والصناعة، وبصورة خاصة على أسواق المضاربات…»، ويستطرد هذا البروتوكول ليلامس صميم موضوعنا فيقول في شأنه: «وسنعلي مستوى الأجور العمالية، ولكن الأخير من هذا يصيبه العمال، لأننا في الوقت نفسه سنعلي مستوى الأسعار للحاجات الضرورية التي تعم بها البلوى…».
وأعتقد أننا بهذا قد أوضحنا ما نرمي إليه من أمر… أن زيادة الأجور وارتفاع أسعار الحاجات الضرورية ليسا إلا حدين لمعادلة شيطانية حاكها حكماء صهيون لمصلحة الرأسمال اليهودي العالمي وسيادة اقتصاد العالم… وهنا يحضرنا سؤال مهم جداً، لماذا أو ما هو تفسير الآتي: «ولكن لا خير من هذا – وهذا إشارة واضحة إلى أجور العمال – زيادة الأجور يصيبه العمال لأننا في الوقت نفسه سنعلي الأسعار للحاجات الضرورية التي بها تعم البلوى، ولا بأس من أن نعيد صوغ سؤالنا لكي ترتبط معانيه وأهدافه… لماذا زيادة أجور العمال في إطار المخططات اليهودية الرأسمالية العالمية لا خير منها يصيبه العمال، بينما ارتفاع الأسعار للحاجات الضرورية، تعم بها البلوى؟
إننا بهذه الطروحات لا نقلل من تفكير بعض المواطنين وقدرتهم على الفوضى إلى ما يكمن بين السطور… ولكن إلحاح المصلحة العامة وإحساسنا بالمسئولية الوطنية أجبرتنا على سلوك درب النقاش الديالكتيكي، المبني على الأخذ والعطاء والشك العلمي المجرد من النقاشات البيزنطية الخيالية وصولاً إلى الحقيقة المجردة الممسوكة باليدين والمرئية بالعينين، حتى لا يكون الجن وحدهم القادرون على نقل عرش بلقيس إلى حضرة سليمان.
فهل يدرك بعض من نواب الشعب المحترمين الذين هزموا طلائع النضال الوطني من أمثال نجم النضال بلا جدال «عبدالرحمن النعيمي» أعاده الله سالماً، وإبراهيم شريف، وسامي سيادي، ومنيرة فخرو، الذين نجحوا بكل تحد في مناطقهم الانتخابية، وخسروا في مناطق جن سليمان، الذين أشارت إليهم الكاتبة البحرينية «سكينة العكري» في مقالها الصريح المنشور في صحيفة «الوسط» الصادرة بتاريخ 15 فبراير/ شباط 2007، تحت عنوان «لا دليل ولكن هناك مؤشرات فاقعة»… بعد كل الذي أوردناه هل يعود القوم إلى رشدهم، أو تظل الأمور فالتة، ويبقى تبادل الاتهامات التي سيكون حدها الحاسم… أن البقاء للأصلح، وهذا حكم الطبيعة الفاصل الذي لا مبدل له، إلا الإرادة الإلهية.
فهل يملك بعض النواب القدرة على السباحة في مثل هذه البحار الثائرة الأمواج، أم يكتفون بالقول: أأبحر أم ألقي المرساة، وأنسى مواعيد للرب دون الشاطئ المعلوم؟
صحيفة الوسط
9 فبراير 2008