استكمالا لحديث الأمس، نقول إن المؤتمر المنتظر الذي تنظمه الجمعيات السياسية مجتمعة في مارس القادم الذي تحدثنا عنه منذ يومين في هذه الزاوية، يمكن أن يشكل مناسبة تُظهر من خلالها السلطة التنفيذية، والدولة مجتمعة، حرصها على أن تكون حاضرة في نقاش يعنيها بمقدار ما يعني المجتمع. محور هذا النقاش، كما سبقت الإشارة، هو المسألة الطائفية التي تهدد النسيج الوطني للمجتمع، إذا ما استمر اللعب السياسي بورقتها، وهذا التهديد سيطال كل من هم على ظهر المركب الذي هو هذا الوطن الذي يضمنا جميعاً، وعلينا صون وحدة أبنائه، إذا ما أردنا له أن يبحر بسلام إلى مراده. وحتى بمعزلٍ عن الموضوع مثار النقاش ذاته، فان تجمعا بهذا الحجم يلتقي خلاله ممثلون عن كل القوى السياسية في المجتمع هو فرصة للقاء وتبادل الرأي، لا يصح أن تكون الدولة غائبة عنه، وهي المعنية بأن تكون جسورها مفتوحة مع المجتمع، ممثلاً، في هذه الحال، في القوى السياسية المختلفة. لا نريد الترويج لأوهام في هذا السياق، فالمؤتمر موضوع الحديث ليس له صفة إلزامية، وهو اقرب إلى طرح القضايا والتباحث حولها، ومحاولة الوصول إلى مشتركات عامة حولها، ولكن وجود ممثلين عن الحكومة فيه سيقدم إشارات ايجابية عن أنها لا تتغافل عن قوى تمثل جسماً رئيسياً في المجتمع، ولا تغفل عن قضايا ينشغل بها المجتمع بصورة جدية، وعليها أن تكون كذلك مصدر انشغال للدولة بمقدار لا يقل.
موضوع الطائفية، إذا ما نوقش بصورة جدية، سيتفرع عن منظومة من المفردات التي تعني أجهزة حكومية عديدة، فكيف نكرس مفهوم المواطنة الحقيقية إذا ما اعترت سياسات التعيين والتوظيف معايير لا تعتمد الكفاءة وحدها، وإنما الانتماءات والرغبة في الحفاظ على توازنات معينة. وكيف يمكن لنا أن نؤسس لروح ومفهوم المواطنة المتكافئة في الحقوق والواجبات في أذهان الناشئة، إذا لم توجه المناهج التربوية منذ المراحل الدراسية الأولى نحو ذلك، بإظهار التاريخ الوطني المشترك للبحرينيين جميعا، وإبراز رموز هذا التاريخ بصرف النظر عن الموقع الذي كانوا فيه، أو الموقف الذي اتخذوه، أو الطائفة التي منها انحدروا، فالأساس هو تقديم التاريخ، بانورامياً، بكل ما فيه من معطيات وأحداث، بروح التصالح مع هذا التاريخ، بوصفه تاريخنا المشترك وذاكرتنا الجمعية، التي لا تكتسب هذه الصفة إذا جرى التعاطي معها بروح التجزئة والتشظي.
يمكن الذهاب أكثر في سوق الأمثلة، لنبلغ تلك الجوانب المتصلة بموضوع الإصلاح السياسي والدستوري، الذي يحتاج إلى نظرة جسورة، حرة من جوانب الريبة والشك وعدم الثقة بين مكونات المجتمع، وفي العلاقة بين الدولة من جهة وبعض أو كل تلك المكونات. ستكون الدولة في غنى عن العديد من اجراءتها المبنية على نظرتها الحذرة، لو أنها قامت بتدابير جذرية في النهوض بمستوى الخدمات والحقوق الاجتماعية، وعلى مقدار من التكافؤ، للمواطنين جميعا، بخاصة في المناطق التي تشكو أكثر من سواها من الإهمال والتجاهل.
صحيفة الأيام 6 فبراير 2008