حضرت الدولة جلسات الحوار التي دعا إليها نادي مدريد، وفي الجولة الأخيرة من هذا الحوار شارك اثنان، على الأقل، من كبار المسئولين في هذا الحوار هما وزير العدل والمستشار الثقافي لسمو رئيس الوزراء، فاستمعا لما قاله قادة الجمعيات السياسية وبعض النواب والشخصيات الوطنية المستقلة، ثم أنهما طرحا وجهة النظر الرسمية إزاء ما هو مثار من موضوعات. في كلمات أخرى، أظهرت الدولة أنها مستعدة للجلوس على طاولة واحدة مع ممثلي المجتمع المدني، وللإصغاء لما يقولونه، والدخول في سجال مع أطروحاتهم. ولكن ثمة سؤال يثار هنا : هل الدولة فعلت ذلك فقط لأن هناك جهة أخرى ثالثة، دولية الطابع ممثلة في نادي مدريد، هي من دعا لهذا الحوار ونسقه واشرف عليه؟! ونذهب بهذا السؤال أبعد قليلا ونقول: هل الدولة مستعدة للبحث في آلية أخرى أكثر انتظاما وديمومة، دون الحاجة إلى إشراف جهة ثالثة بالضرورة، للحوار بينها وبين ممثلي المجتمع المدني وفي مقدمتها الجمعيات السياسية حول تلك القضايا التي نعدها قضايا مفصلية في مسألة البناء الديمقراطي في البحرين، كالتشريعات المتصلة بالجمعيات السياسية وبحرية الصحافة والتعبير وبالنظام الانتخابي وبالصلاحيات التشريعية لمجلس النواب وما إلى ذلك من قضايا؟ القول بأن مجلس النواب هو شكل من أشكال الشراكة بين الدولة والمجتمع قول ينطوي على وجاهة، لأننا لا نقلل، في حال من الأحوال، من أهمية وثقل الاتجاهات الممثلة في هذا المجلس، بصرف النظر عن درجة اتفاقنا أو اختلافنا معها، فهي في نهاية المطاف تعبر عن قطاعات مجتمعية موجودة فعليا على الأرض لا يصح تجاهلها. لكن مجلس النواب بتركيبته الحالية لا يمثل الخريطة الاجتماعية – السياسية في البلد كاملة، ولا يغطي كل المجتمع في تعبيراته المختلفة، ولذلك أسباب عدة بينها النظام الانتخابي المعمول به، والذي إن لم يعد النظر فيه فإنه سيستمر في إنتاج مجالس نيابية قادمة على ذات الصورة في المدى المنظور. المجتمع البحريني أكثر حيوية وديناميكية وفاعلية وتنوعا بما لا يقاس بمجلس النواب القائم، الذي لا يكاد يعكس أكثر من وجه من وجوه المجتمع، إذا ما صرفنا النظر عن التضاريس المذهبية والطائفية في هذا الوجه، وهي تضاريس لا تلغي الجوهر الاجتماعي- الفكري المتشابه لأعضاء هذا المجلس، الذي يمكن أن يفرغ،مُجتمعاً، في وجه بقية ضروب الأفكار وأنماط المعيشة الأخرى في المجتمع. لا يمكن التصرف على أساس إن هذا البرلمان يعكس تنوع المجتمع البحريني وتعدديته، وتجاهل ما يضج به المجتمع من تعبيرات وأفكار وتوجهات أخرى، لعلها أكثر صدقا في تجسيد المزاج العام للمجتمع البحريني، إذا ما نظرنا إليه برؤية بانورامية، ولم نكتف فقط بالانسياق للحسابات السياسية الراهنة التي تحكم سلوك أجهزة حكومية عدة، كما تجلى ذلك بوضوح في الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة في أجلى الصور. الدولة مطالبة بأن تصغي للمجتمع كاملا، وتتحاور مع مكوناته المختلفة جميعها.
صحيفة الأيام
5 فبراير2008