سأعود للحديث عن مؤتمر الحوار الوطني المزمع عقده في مارس المقبل، في حينه. ولكن لا بأس من الحديث الآن عن أمر أراه مهما، على صلة بفكرة هذا المؤتمر وموضوعه وآلية تنظيمه. المؤتمر تنظمه لجنة التنسيق بين الجمعيات السياسية، وهي كما شرحنا، في أكثر من مناسبة، صيغة إجرائية للتنسيق بين جميع الجمعيات السياسية المسجلة لدى وزارة العدل، على اختلاف ميولها وتوجهاتها السياسية والفكرية، وتستمد مشروعيتها من شرعية الجمعيات التي تنسق بينها، ويرأس المنبر التقدمي هذه اللجنة في دورتها الحالية. مؤتمر مارس القادم اخترنا له موضوعاً نراه يشكل محوراً من محاور الجدل السياسي والاجتماعي في البلاد في الفترة الراهنة، وفي أفق تطورها القادم أيضا، هو موضوع الوحدة الوطنية في مواجهة مخاطر التفتيت والتشظي الطائفي، الذي يمكن أن نجد أنفسنا منزلقين إليه بوعي أو من دون وعي، إذا ما استمرت الأمور تدار بالذهنية السائدة في أكثر من موقع من مواقع المجتمع والدولة. قدر هذا المجتمع أن يتعايش بتحضرٍ ووعي مع تكوينه المركب، وأن يجعل من هذا “التركيب”عامل إغناء وإثراء لنسيجه الوطني، لا عامل تنافر وبغضاء، مع ما يمكن أن يجره ذلك من تبعات لا تحمد عقباها، ولنا عظة وعبرة في ما يجري في أكثر من بلد عربي من تداعيات نرى بأم العين ما جرته وتجره من كوارث. علينا مواجهة “الوعي” الطائفي بالوعي الوطني، لأن الأول وعي زائف كونه يحجب القواسم المشتركة التي تجمع بين بشر متعددي الطوائف يعيشون في مجتمع واحد عليهم أن يقتسموا خيراته بالتساوي، ويواجهوا، سوية، تحديات العيش المشترك. الوعي الوطني الذي ننشده هو الذي تربينا عليه نحن في تنظيماتنا التقدمية والديمقراطية التي صهرتنا جميعا في بوتقة النضال المشترك من اجل الحقوق الاجتماعية والسياسية والوطنية، كحاصل للتطور الاجتماعي – الاقتصادي الذي جمع أبناء الشعب في أماكن العمل المشتركة. فبات العامل السني، ابن المحرق مثلاً، مع العامل الشيعي، ابن سترة مثلا، جنباً إلى جنب في مصنع التكرير في “بابكو” أو في مصهر الألمنيوم في “ألبا” يواجهان وضعاً واحداً جاءت به علاقات الإنتاج الرأسمالية، التي وإن عمقت الفارق الطبقي، فإنها وحّدتْ الشغيلةَ في قضية كبرى تتخطى انحداراتهم المذهبية المختلفة. منذ سنوات هناك انبعاث مقلق لهذا “الوعي” الطائفي الذي كان قد توارى، لأن هناك من يريد أن ينبش في الطبقات الذهنية السفلى لدى العامة، بتأجيج الموروثات التي يمكن استنفارها في التحشيد الطائفي، من الجانبين، ولكل من يفعل ذلك، هنا أو هناك أسبابه، التي تعبر في جوهرها عن مصالح يراد تأييدها. هذا الموضوع بحاجة إلى نقاش معمق حوله، يتجاوز حدود المجاملات والتظاهر، أمام وسائل الإعلام بأن كل شيء على ما يرام، وهذا النقاش المعمق مدعو لأن لا ينصرف، هو الآخر، نحو التأجيج واستثارة ما يفرق، وإنما نحو التشخيص العلمي الذي من شروطه أن يكون المتصدون لهم أنفسهم أحرارا من اللوثة الطائفية والمذهبية بكل تلاوينها.
صحيفة الأيام
4 فبراير 2008