تمر الحركة العمالية ونقاباتها البكر في البحرين بظروف صعبة ومعقدة من عدة أوجه، خاصة بعد أن صّوت بعض النواب في المجلس على التعددية النقابية في المنشأة الواحدة، مما ترك حالة من الارتباك والقلق لدى التيارات الأخرى في الجمعيات السياسية، المهتمة مؤخرا بالحركة العمالية.
خاصة في الفترة الأخيرة، عندما اكتشفت أن ذلك الحصان الهام ينبغي امتطاؤه وتحويله إلى ورقة ضغط سياسية في المستقبل القريب أو البعيد، وهو أيضا مربط الفرس ولجامه للحركة العمالية البحرينية، الذي سيشكل حالة خطرة فيما لو فكرت القوى والتيارات السياسية محاولة تجييرها لمصالحها السياسية على حساب مصالح العمال وحدهم، كمصالح نقابية ومهنية قبل أي نوع من أنواع الانغلاق وتوريط الحركة العمالية ونقاباتها على أساس من التشرذم والادلجة العمياء والحزبية الضيقة، التي تقود في نهاية المطاف إلى الانقسامات والصراعات الداخلية بين العمال، وتؤثر على وحدتهم ومصالحهم وحركتهم النقابية والعمالية دون غيرها.
محاولة الحركة النقابية تخطي حسابات الجمعيات السياسية وصراعاتها وخلافاتها السياسية والفكرية، مهما كان لون هذه الجمعية أو تلك، يسارية، دينية أو قومية، فما يهم الحركة العمالية هو تحقيق برنامجها النقابي وأهدافها وشروطها المهنية العادلة، والعمل على تحسين ظروفها المعيشية والنظر إلى حركتها ومستقبلها، بعد تأسيس وخلق مناخ صحي مشترك للحركة النقابية في البحرين، والتعلم من تجربة الماضي، سواء تلك التي كانت شبه علنية في فترة السبعينات أو السرية طوال عمرها وعملها الصعب المحاصر.
ما يستوقفنا هنا الحالة المستعصية والممكن حلها فيما لو جلست كل الأطراف النقابية لمناقشة “ظاهرة التعددية النقابية” كظاهرة جديدة في البحرين، بطرح عدة تساؤلات هل تقبلها بالمطلق أم ترفضها بالمطلق أم تناقشها كحقيقة متداولة، بعد أن اقرها بعض من نواب المجلس، ويرفضها ويتحفظ عليها بعض نواب الشورى، وهي بانتظار موافقة عاهل البلاد عليها. لهذا على الحركة العمالية والنقابية التحرك بأقصى ما يمكن لمعالجة هذا الوضع التاريخي الدقيق لوضع الطبقة العاملة في البحرين إزاء المسألة النقابية، شريطة أن تترك لنفسها مساحة من الحرية بان تتحاور باستقلالية نسبية عن هيمنة الجمعيات السياسية، وان كان هذا الموضوع من الصعب التملص منه أو التحرر من هيمنته المطلقة.
وبهذا يقع على عاتق النقابيين التأكيد لقيادات الجمعيات السياسية بأهمية اللحظة الراهنة، والمصالح الحيوية للحركة العمالية والنقابية البحرينية بضرورة رصّ صفوفها، خاصة وان الحركة العمالية في البحرين تخرج للعلن بتجربة مريرة مختلفة بعملها تحت ضوء الشمس، مشدودة بعوامل تاريخية وسياسية عدة، فمستويات الوعي العمالي متعددة، والتكوين الثقافي لها مختلف، يؤثر على هضمها وإدراكها لمعنى العمل النقابي والمصالح العمالية، التي ينبغي وضعها في مقدمة كل المصالح، وهي فوق جميع الاعتبارات الطائفية والعرقية والمذهبية والانتماءات الحزبية والسياسية.
فمن يصوتون للانتخابات النيابية من العمال هم أكثر حرية في خياراتهم وانتماءاتهم السياسية، غير أنهم يجدون أنفسهم محاصرين ومشوشين في معرفة معنى خياراتهم النقابية، التي من الضروري أن توحدها فلسفة واحدة هي مصالحهم المشتركة داخل المؤسسة الواحدة من جهة، ومصالحهم الواحدة في الحركة النقابية اجمعها، والتي تتمحور في برنامج نقابي محدد المعالم، حتى وان باتت الحركة العمالية بين شقي الرحى وقائمة على خيار حر للتعددية النقابية بحجج واهية لا تنسجم من الناحية التاريخية الحرجة للتوجه بتشكيل عدة نقابات في المؤسسة الواحدة، في بنية اجتماعية وعيها لا يزال يعيش تحت مؤثرات ثقافية طائفية وقبلية وغيرها.
ما ينبغي فهمه هو أيهما أكثر تناسبا وفعالية للطبقة العاملة وحركتها النقابية في واقعنا الحالي؟ إذ ليست البحرين بتركيبتها وتعدادها نموذجا ،عليه احتذاء مجتمع أمريكي رأسمالي متطور، كان يرى في التعددية فرصة للتفتيت على أساس رأسمالي صناعي، وليس على أساس حزبي مذهبي، في واقع يتشكل لتوه كواقعنا، ويحاول أن يجد مخارج ونماذج تعبر عن وحدة الشعب، ولن تكون تلك الوحدة إلا في تعبيراتها النقابية.
من يسعون للضرب والتأكيد على التعددية، نهمس إليهم إنكم تغرزون المسمار الطائفي مرة أخرى في جسد الشعب، ولكن هذه المرة في أهم مفصل من مفاصله، وهي قواه الإنتاجية. من ينادون بهذه الروح التقسيمية في الحركة العمالية، عليهم أن يقبلوا بأن يكون أول أيار إجازة للنقابات اليسارية، وتعبيرا عن من الذي من حقه الإجازة السنوية؟
صحيفة الأيام
3 فبراير2008