يروي صاحب كتاب”الموجة الثالثة” ألفن توفلر، انه تلقى مؤخرا هو وزوجته هايدي، دعوة لزيارة موسكو من أحد كبار مستشاري الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.وكانت الزيارة فرصة لتوفلر ليعاين الأوضاع في روسيا بوتين، وللمقارنة بما رآه عليها حين زارها آخر مرة في عام ١٩٩١ في عهد بوريس يلتسين وكانت في حالة انهيار عام بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وشيوع الفوضى في الاقتصاد وفي أوجه الحياة المختلفة.
وفي الكرملين التقى بفلاديسلاف سيركوف، الذي قدمه على انه المحلل الاستراتيجي الأول لبوتين، حيث أبدى اهتماما بالرؤية المستقبلة لروسيا.
من باب الإنصاف لاحظ توفلر انه لدى مقارنة سيركوف بكارل روف، الذي يطلق عليه لقب “عبقري الرئيس بوش”، يبدو الأول مثقفا ومفكرا وموهوبا.لكن ما أقلق توفلر هو التبرير الذي قدمه الرجل للتركيز المخيف للسلطة بيد بوتين، من خلال الاستناد إلى قرون من الثقافة الروسية التي تمجد السلطة القوية.
وليس هذا هو الأمر الوحيد الذي جعل الضيف يشعر بثقل المفارقات في روسيا الراهنة، فرغم السلطات الواسعة التي تجمعت في يد بوتين، والشعبية الكبيرة التي تحيط به وسط مواطنيه، إلا انه لن يغدو بعد حين قريب رئيسا لروسيا، وحتى لو حكمها من وراء الستار بصفته رئيس الوزراء القادم، ولكن يظل انه لن يكون الرئيس.
المحلل الاستراتيجي الرئيسي لبوتين الذي التقاه توفلر تحدث بثقة عن التغيرات التي تحمل روسيا إلى مرحلة ما بعد العصر الصناعي، أي إلى الموجة الثالثة القائمة على اقتصاد المعرفة. ولكن توفلر يتساءل: كم عدد القادة الروس المتمركزين في مواقع جد مهمة وحساسة، وممن يتوجهون حقا نحو الموجة الثالثة هذه؟
في روسيا الراهنة لا تزال المواد الخام تحتفظ بقيمة أكبر مما للثقافة والمعرفة، وعليه فليس مستغربا إلا تصبح الثقافة والمعرفة والتعلم، أساسا لاقتصاد روسيا وسياستها بعد.وهنا على وجه التحديد، يتجلى ذلك الصدام الذي يراه توفلر بين الماضي والمستقبل في فكر “سيركوف”، وربما أمكن تطوير هذه الفكرة بعض الشيء للقول إن هذا هو جوهر الصدام الذي على روسيا تخطيه بصورة ايجابية، لكي تعبر نحو المستقبل منطلقة مما استطاع بوتين انجازه، وهو يرمم ما فعلته يدا خَلفيْه غوربتشوف ويلتسين.
صحيفة الأيام
31 يناير 2008