هل كان على السيدة فيروز أن تأخذ إذناً من بعض فرقاء السياسة اللبنانيين لكي تغني في الشام؟ سيبدو السؤال أكثر مرارة حين نعلم أن من يطالبونها اليوم بعدم الذهاب إلى الشام هم أنفسهم الذين حفت أقدامهم من كثرة الذهاب والإياب إليها بشكل كاد يكون يوميا، ليضمنوا مقعداً في البرلمان أو في الحكومة، وفي حالات أخرى ليكونوا رؤساء لهذه الحكومة أو رؤساء للجمهورية. ولأن هوى هؤلاء اليوم لم يعد “شامياً” كما كان، بعد أن دارت الدنيا دورتها، فإنهم يريدون من فيروز، وهي العابرة للطوائف والسياسات، وغير الخاضعة لتقلبات أمزجة وتحالفات الغارقين في وحلها، أن تكون ظلاً لمواقفهم، فعليها أن تنصاع لرغبتهم في أن لا تغني للسوريين، لأن الشام كفت عن أن تكون محجة لهم، كما كانت قبل سنوات قليلات. فيروز كانت دائماً فوق السياسة وأهوائها، وستظل كذلك، وفي عز تطاحن اللبنانيين بالسلاح في حروبهم الأهلية المديدة، أو في الحروب التي فرضت عليهم من خارج بلادهم، كان صوتها بلسماً للجميع. ما بين فيروز والمدرسة الرحبانية إجمالاً من عُرَى وأواصر القربى وبين الشام يتجاوز بكثير تكتيكات السياسة العابرة، فالشام عند فيروز وعند الرحابنة هي ذلك الفضاء من الثقافة الواحدة والتاريخ المشترك، اللذين لا سبيل لتغييرهما لمجرد أن الساسة في البلدين اختلفوا. فيروز أكبر من أن تأتمر بأمر زعيم سياسي، كائناً من كان هذا الزعيم، أو تكون رهينة مزاج قائد ميليشيا يخرج من حرب ويتهيأ لأخرى، ويريد للجميع، بمن فيهم فيروز، أن يكونوا رهن إشارته، تغني وقت يشاء وتكف عن الغناء وقت لا يشاء، تذهب حيث يريد، ولا تذهب حيث لا يريد. يقال إن فيروز ذهبت للغناء في بغداد في عهد صدام حسين، ولاحظت أن صورة له علقت في القاعة، فطلبت رفعها وإلا فإنها ستتوقف عن الغناء، لأنها ترفض التجيير السياسي لحفلتها في وقت كان فيه العراقيون منقسمين في الموقف من نظامهم. إلى الشام تذهب فيروز لتقدم للسوريين بمناسبة اختيار دمشق عاصمة للثقافة العربية مسرحيتها الشهيرة: “صح النوم”، واحدة من روائع التراث الرحباني، وهي تعرف أنها ذاهبة في رسالة للفن تأبى أن تجير للسياسة.
صحيفة الأيام
29 يناير 2008