الحديث عن ناقلتنا الوطنية طيران الخليج .. فحول أوضاعها ثمة أسئلة لم تطرح بعد كما ينبغي أن تطرح، ولا أجوبة عنها كما ينبغي أن تكون الأجوبة. هذا هو الحال الذي ترجمه طرح النائب محمد العسومي حينما اتهم مؤخراً وزير المالية بأن إجابته بشأن سلسلة من الاتهامات بشبهة الفساد المالي والإداري بالشركة وهدر المال العام فيها كانت في وادٍ والسؤال كان في وادٍ آخر ، ربما من منطلق إيمان الوزير بمبدأ اسألوا ما تريدون ونحن نجيب ما نريد، وهذا المثار الآن قد يمثل أحد أوجه الخلل الرهيب الذي عانت ولا تزال تعاني منه الشركة، وهذه المرة من باب ” التقاعد السوبر ” بالشكل الذي جعل مال الشركة بحسب وصف النائب ” ماي سبيل ” لفئة محدودة ممن رضى عنهم مجلس ادارة الشركة ورضوا عنه، وحينما أشار إلى ” أن التقاعد المبكر السوبر الاستثنائي من فئة النجوم السبع الذي منح خارج أي إطار قانوني لـ 20 موظفاً بالشركة، فرض إن تدفع الشركة من موازنتها ومن رصيدها المالي أموالاً ضخمة تتجاوز بضعة ملايين من الدنانير كانت مستشفياتنا ومدارسنا وطرقنا أحق بها من هذا الهدر السخي .. !! “. لقد كان حرياً من باب الشفافية على الأقل إلا تقابل تلك الاتهامات بالصمت، فقضية إصلاح حال ناقلتنا الوطنية يجب أن يعني في المقام الأول التزاماً بالشفافية ، وعقلية جديدة، وأسلوباً جديدا في العمل، ووسائل مدروسة في مواجهة المشكلات والتحديات، ونماذج بشرية نزيهة، وتفعيلاً للمراقبة والمساءلة وإيماناً بشيء أسمه الالتزام والواجب، وللأسف الشديد فإن الواقع رغم الجهود والإجراءات والمساعي التي تبناها واتخذها مجلس الإدارة في سبيل إصلاح أوضاع الشركة، هذا الواقع يؤكد حتى الآن على الأقل أن مجريات الكثير من الأمور بالشركة لازالت تقابل في أبسط وصف بابتسامة تشكيك . من ذات الباب ، باب التقاعد المبكر في ناقلتنا الوطنية نعرض رسالة من عاملين بها يحمل مضمونها ما يشير إلى أن الأمور بالشركة لا تسير حتى الآن مع الأسف على خير ما يرام ، بالرغم من كل مما أثير وطرح بشأن إصلاح أوضاع الشركة ومعالجة مظاهر الخلل والانحراف والفساد فيها. تقول الرسالة : ” في عهد الإدارة الجديدة لطيران الخليج منذ إبريل 2007 ، تم استحداث ما يسمى بالمجلس ” الديوانية ” لإعطاء الفرصة للموظفين بأن يلتقوا بالرئيس التنفيذي ونوابه في حوار مفتوح لتبادل الآراء ومناقشة أمور الإدارة والموظفين بشفافية تامة حسب زعم الإدارة . استمر هذا ” المجلس ” الذي تم الترتيب لعقده كل يوم خميس حتى فترة معينة ، إلا أنه في الآونة الأخيرة وبالأخص في اللقاء المنعقد يوم الخميس 15 سبتمبر والذي قبله بدأ الرئيس التنفيذي بالنيابة بتحديد المواضيع المسموح للموظفين بمناقشتها، مشدداً على عدم سماحه بفتح المجال لأي مناقشة حول موضوع تعديل الرواتب ومشروع التقاعد الاختياري. أما فيما يتعلق بموضوع تحسين وضع الموظفين البحرينيين ( ما عدا طاقم الضيافة والطائرة ) وتعديل رواتبهم فإن الإدارة الجديدة منذ استلامها لمهامها وعدت الموظفين بإعادة النظر في مستوى رواتبهم ومساواتهم برواتب الموظفين الأجانب الذين يتبوأون نفس المناصب الإدارية، إلا أنه حتى تاريخه لم تحرك الإدارة ساكناً في هذا الشأن ، بل قامت مؤخراً بتعديل علاوة السكن للأجانب لمواجهة غلاء المعيشة بدلاً من تعديل وضع البحرينيين ، وكأن غلاء المعيشة طال الأجانب من غير البحرينيين ، وحين سؤال الرئيس التنفيذي بالنيابة عن ذلك أنكر معرفته بالموضوع بالرغم من أنه شخصياً من قام بالتصديق على هذا القرار . أما فيما يتعلق بموضوع مشروع التقاعد الاختياري المطروح من قبل ادارة الشركة في شهر يونيو 2007 ، فالحديث عنه دون حرج، فالإدارة مارست شتى الضغوط النفسية على الموظفين الذين تقدموا للاستفادة من هذا المشروع فتارة توافق وتارة تماطل، وتارة تتنصل من وعودها. وللدقة فإن مجموعة من الموظفين استلمت مستحقاتها التقاعدية بناء على مشروع التقاعد الاختياري وتركت الخدمة بالشركة ، في حين مددت إدارة الشركة خدمات مجموعة أخرى كانت قد تقدمت بطلب التقاعد لمدة أشهر إضافية ولاحظوا أنه هذا التمديد جاء بناء على طلب الإدارة تحت ذريعة تفادي التأثير السلبي على سير العمل بالشركة وليتسنى للإدارة البحث عن بديل.
إلا أن الإدارة في موقف غريب فاجأت الجميع قبل نهاية شهر سبتمبر بأنها قررت تجميد مشروع التقاعد الاختياري للدراسة والتدقيق ، في حين يعلم الجميع أن السبب الحقيقي وراء ذلك التجميد ناجم عن سوء التخطيط وعدم الدقة في احتساب التكلفة الحقيقية لتغطية هذا المشروع، والذي تم وضعه من قبل الشركة الاستشارية التي تم دفع الملايين لها باعتبارها شركة استشارية كبرى. لقد اتخذت الناقلة الوطنية قرار التجميد بدون الأخذ في الاعتبار وضع ومستقبل الموظفين الذي قاموا بالتخطيط لمستقبلهم بناء على موافقة الشركة لطلبهم الاستفادة من مشروع التقاعد الاختياري ، وهناك من الموظفين من قام بتوقيع عقود مع شركات أخرى ليبدءوا العمل مباشرة بعد انتهاء خدمتهم مع طيران الخليج ، وآخرون أصدروا شيكات مؤجلة على أمل أن يسددوها بعد تحصيل مستحقاتهم التقاعدية من الشركة ، ووجدوا أنفسهم فجأة في مأزق كبير . لم تكتف ادارة الشركة بذلك بل قامت في موقف آخر غريب ولافت بتهديد الموظفين المعنيين بأنها سوف ستنهي خدماتهم أن لم يستمروا في الخدمة حتى إشعار آخر، وهؤلاء هم الآن في حيرة من أمرهم خاصة أن ادارة الشركة لم تخاطبهم رسمياً لتوضيح وضعهم القانوني بل فضلت الصمت وتركهم في حيرة بالغة الشدة والحرج حيث لا هم متقاعدون ولا هم موظفون . هناك الكثير والكثير مما يجري في دهاليز الإدارة المتخبطة التي وضعت نفسها في مأزق مع الموظفين وتحاول أن تجد لنفسها مخرجاً قانونياً للتنصل من التزاماتها تجاه الموظفين “. تلك فحوى الرسالة ، وبقى أن نعلق ونقول أن مساعي مجلس ادارة طيران الخليج نحو إصلاح أوضاع الناقلة الوطنية ليست كافية حتى الآن لتؤكد على صدقيتها ما لم يطمئن الجميع والرأي العام بجدية وجدوى الإصلاح وتبديد الغموض الذي لازال يكتنف مجريات الكثير من الأمور بالشركة ، واعتماد لغة صريحة وشفافة ، وما موضوع التقاعد المبكر الاختياري والملابسات التي تمت بشأنه إلا أحد أوجه التخبط الذي لازالت تعاني منه ناقلتنا الوطنية التي لازالت تصر على الاستعانة بـ ” الخبرات ” الأجنبية، وهذا في حد ذاته موضوع آخر يجب أن يخضع لدراسة ومساءلة وبحث عن سبب تغييب قيادات الصف الثاني من البحرينيين الذين يفترض أن ينتقلوا الى مواقع المسؤولية الأولى، فأبناء البحرين أحق بكل الفرص المتاحة وهم قادرين على أن يملئوا الفراغ لكن بشرط أن نمنحهم الثقة والفرصة والتقدير .
نشرة التقدمي العدد 59
يناير 2008