لا اعتقد أن أحداً له علاقة، مهما كانت بسيطة ومتواضعة بالقراءة، من أبناء جيلنا والجيل الذي سبقنا، أو تلانا، استطاع أن يفلت من أسر سحر جميل اسمه مجلة ” العربي” الكويتية. ولا أعتقد أيضا أن مجلة كانت ينطبق اسمها على مسماها كما هي مجلة “العربي”، التي كانت عن حق وجدارة مجلة القارئ العربي من الخليج إلى أبعد زاوية في موريتانيا أو المغرب، مرورا بكل ديار العرب. بل انه كان على العرب، لكي يعرفوا وطنهم، أن يقرأوا تلك الاستطلاعات الميدانية المصورة التي كانت “العربي” تنشرها عن سائر العواصم والمدن العربية. كان لورقها الأبيض اللامع الصقيل رائحة مميزة، تنفذ إلى حواس شمنا، في مطالع كل شهر مع صدور عددها الجديد، الذي ما يكاد ينزل المكتبات حتى تصبح مواده حديث المدينة. ”العربي” بالنسبة إلينا كانت أم المعرفة ومصدرها المتجدد شهريا، بما تحتويه من أدب وشعر وفن وسير للأدباء والمفكرين، وبما تقدمه من معارف في التاريخ والجغرافيا والفلسفة، وبما تبسطه من نوادر وطرائف وحكم. وبهذه الطريقة كانت “العربي” تخاطب مختلف شرائح وطبقات القراء بمستوياتهم المختلفة، المتعددة، فيقرأها الأكاديمي وأستاذ الجامعة والأديب، مثلما يقرأها التلميذ في المدرسة الابتدائية والإعدادية، فيجد كل منهم فيها ما يلائم ذائقته ومستوى تعليمه ومعرفته. احتفلت “العربي” مؤخرا باليوبيل الذهبي لصدورها، وهي مناسبة جديرة بالإحياء، ففيه تمجيد، ليس فقط للمجلة ودورها ورسالتها ومكانتها الراسخة في الذاكرة الثقافية والمعرفية للملايين من القراء العرب، ومن أجيال مختلفة، وإنما فيه أيضا تكريم للدور الثقافي العروبي لدولة الكويت، التي كانت وما زالت حاضنة للعديد من الدوريات المرموقة والسلاسل الثقافية والإبداعية. فلولا تلك الرؤية المتقدمة، وربما السابقة لزمنها، لدى أولئك الرجال الذين قاموا على الشأن الثقافي في الكويت مبكراً، لما كنا حظينا بمثل هذه الدورية الرصينة، ولا بسواها من أوعية المعرفة والإبداع الأخرى، التي أسست لتراكم ثقافي عربي تجاوز مساحة الكويت الصغيرة، وشاع في كل ديار العرب. في العالم العربي اليوم عشرات، لا بل مئات الدوريات الثقافية العربية، والكثير منها سعى لمحاكاة تجربة “العربي”، لكنه لم يفلح، ف”العربي” مجلة لا تشبه إلا نفسها، ونجاحها خلقته ظروف متعددة بات مستحيلا توفرها اليوم.