هل أوفى المعاش كل احتياجات المواطن في كل المسارات التعليمية على مدى 50 عاماً وحتى الآن؟ لنرى!
لقد انفتح أمام الشباب أفق أوسع للدراسة خارج البحرين من بداية الخمسينات من القرن الماضي، بدأ بإرسال الطلبة المتفوقين إلى لندن وبيروت والقاهرة وغيرها، ثم توسعت البعثات حتى شملت دولاً أخرى، ورغم العدد القليل الذي بدأت به الحكومة إلا أنها كانت تحرص على الموازنة في إيجاد وظيفة لهؤلاء بعد تخرجهم.
وكان المعاش بعد التخرج مجزياً ويغطي الحاجة الماسة في المعيشة، ومع تزايد وتيرة التعليم الجامعي في الداخل والخارج، وتخريج أعداد هائلة من الطلبة، بدأت الفجوة تزداد بين الوظيفة وبين الخريجين، وبدأ التفكير بدراسة احتياجات السوق ولكن بشكل غير مجدٍ.. اللغز المحير هو كيف سُمح للجامعات بالعمل على تخريج دفعات ليس لها رصيد وظيفي؟! فكلما تراكمت السنين ازدادت الهوة بينهما، وقد ترتب على ذلك ازدياد البطالة وازدادت على إثرها المشاكل السياسية.
صحيح أن الأجور كانت متدنية في الستينات وأوائل السبعينات لكنها كانت تفي بالغرض المطلوب، فمعاش الموظف البحريني الجامعي لم يكن يتجاوز 60 ديناراً، ومعاش خريج الثانوية لم يكن يتجاوز 35 ديناراً. وبين سنتيّ 1973-1975 تضاعفت المعاشات بسبب الارتفاع في أسعار النفط، ليصل معاش الجامعي إلى 250 والثانوي إلى 100 دينار.
وقد كانت الأوساط الاجتماعية تتحدث عن معاش النائب في البرلمان ( 300 دينار ) على أنه عالٍ جداً وبأن الحكومة قد اشترته بهذا المعاش لأن الدينار كانت له صيحة عالية وقيمته الشرائية أعلى بكثير من قيمته الحالية. بيد أن هذه الزيادة في مرتبات الموظفين قد ساعدت الموظف البحريني على أن يتجاوز بداية غلاء الأسعار والنهوض به لمستوى الاكتفاء الذاتي.. واستمرت الزيادة بعد غلق المجلس الوطني – وكانت الحكومة تريد أن تُنسي الناس فكرة المجلس الوطني، بعد أن أغلقته، فانتهجت سياسة توزيع الأراضي وبلورت فاعلية وزارة الإسكان على أرض الواقع. وبدأت البنوك تمنح تسهيلات لأجل البناء. وأخذت الحكومة تمنح قروضاً بالتقسيط المريح ومساكن تمليك وشقق وغيرها.. وعلى هذا الأساس تحسنت حياة المواطن واتسعت رقعة الحياة بشكل منظم، وأخذ المواطن ينام الليل مرتاحاً.
بدأت أسعار الأراضي المخصصة للسكن تزداد قيمتها منذ عام 1975 ولكن بشكل معقول. وكان الموظف باستطاعته أن يشتري أرضاً لسكناه. ولم ترتفع الأراضي بشكل مذهل إلا مع بداية القـــــرن الجــــــديــــــد (2004-2008 ) بسبب السماح للخليجيين بأن يتملكوا في الأراضي المخصصة للسكن وليست فقط الأراضي التجارية. حيث وصلت الأسعار إلى أقصاها في عام 2007 ثم تلاها غلاء الأسعار في مواد البناء وفي الغذاء والملبس والدواء. وكان المواطن يعول على تعليم أبنائه المجاني، في جامعة البحرين بالذات حين انخفضت أسعار المناهج بعد المكرمة الملكية.
لكن، ومع السماح لعدد هائل من الجامعات الخاصة بالعمل، أصبحت هناك طفرة في الأسعار الجامعية أيضاً. أما جامعة البحرين التي تعد رخيصة بفضل المكرمة الأميرية التي تلت ظهور الدستور والميثاق فهي الآن ملاذ الطبقة الوسطى والفقيرة. ومن شدة زحمة الطلبة وقوة برامجها أصبح التخرج منها ليس بالشيء السهل ( حسب تصريح المدير التنفيدي للعمليات في مجلس البحرين للتنمية الاقتصادية كمال أحمد في برنامج كلمة أخيرة تاريخ 11-1- 2008 ) حيث قال’إن 70٪ من خريجي طلبة البحرين يلحقون بالجامعات و50٪ من هذا العدد يتسربون لسبب أو لآخر خلال السنتين الأوليتين مما يجعل الطالب يخسر فترة الدراسة تلك بينما المجتمع بحاجة إليه’.
الجامعات الخاصة تعتبر جديدة، ورغم حداثتها إلا أن الطلبة والطالبات يفضلون الدراسة فيها على جامعة البحرين، وهذا يزيد من الإرهاق والثقل على كاهل أولياء الأمور، الذين يتقاضون أجوراً لا تتناسب والوضع الحالي. فالعقلية الاستهلاكية التي غزت عقول الطلبة بالإضافة إلى التضليل الذي تقوم به هذه الجامعات، في سبيل الترويج لبرامجها وشهاداتها هما السببان الرئيسيان اللذان يدفعان بالطلبة البحرينيين إلى الالتحاق بالجامعات الخاصة.
صحيفة الوطن
26 يناير 2008