المنشور

عن بلد المليون نخلة

قرأت في‮ ‬عدد الأمس من‮ “‬الأيام‮” ‬ما قاله الناشط البيئي‮ ‬غازي‮ ‬المرباطي‮ ‬من أن أشجار النخيل المزروعة على طوال جسر الشيخ خليفة بن سلمان تتعرض للانتحار الجماعي‮ ‬بسبب التلوث الذي‮ ‬يلف المنطقة وبسبب العطش الذي‮ ‬تعاني‮ ‬منه نتيجة لعدم ريّها بصورة منتظمة‮.‬ هذه النخيل،‮ ‬حسب المرباطي،‮ ‬تكلف الدولة آلاف الدنانير،‮ ‬حيث إن سعر كل نخلة منها‮ ‬يتراوح بين ‮٠٢١ ‬و‮٠٥١ ‬ديناراً،‮ ‬ومع ذلك فإن الجهة المعنية في‮ ‬وزارة البلديات،‮ ‬بدلاً‮ ‬من الاهتمام بهذه النخيل ورعايتها بدأب،‮ ‬كي‮ ‬تتغلب على السموم التي‮ ‬تهب عليها من المناطق الصناعية الملوثة،‮ ‬تتركها تموت،‮ ‬لتقوم باستبدالها بأخرى،‮ ‬لتواجه المصير نفسه‮.‬ يشير‮ ‬غازي‮ ‬المرباطي‮ ‬إلى أن منطقة الجسر المشار إليه منطقة ملوثة،‮ ‬حيث تتصاعد منها الغازات التي‮ ‬تسبب موت هذه الأشجار وعدم ضرب جذورها في‮ ‬الأرض،‮ ‬لكن ليس هذا هو السبب الوحيد في‮ ‬ذلك،‮ ‬فعدم اهتمام الوزارة بريها بشكل منتظم‮ ‬يفاقم المأساة‮.‬ حال النخيل الميتة على جسر الشيخ خليفة ليس سوى عينة على حال البيئة الخضراء في‮ ‬البحرين،‮ ‬وعلى حال التشجير في‮ ‬بلادنا عامة،‮ ‬وليس هذا الجسر وحده الذي‮ ‬يعاني‮ ‬من الأمر،‮ ‬فما أكثر الجسور والشوارع والدورات القاحلة في‮ ‬البلاد،‮ ‬بما في‮ ‬ذلك في‮ ‬المناطق الحيوية في‮ ‬المنامة والمحرق وسواها‮.‬ ونكاد لا نشعر بأن هندسة زراعية من نوع ما موجودة في‮ ‬التعامل مع ما‮ ‬يمكن أن ندعوه المسطحات الخضراء،‮ ‬ويلاحظ انه تجري‮ ‬أحيانا بعض الهبات لتشجير دوار ما أو جسر ما،‮ ‬كما هو الحال مع الجسر القديم بين المنامة والمحرق،‮ ‬ولكن سرعان ما‮ ‬يُهمل ما جرى زرعه من حشائش،‮ ‬ويترك بلا ري‮ ‬أو عناية،‮ ‬ليكون مآله الموت‮.‬ أذكر أن الشاعر العربي‮ ‬الراحل نزار قباني‮ ‬حين زار أبوظبي،‮ ‬عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة،‮ ‬هاله ما شاهده من خضرة نضرة في‮ ‬شوارعها،‮ ‬التي‮ ‬تمتد في‮ ‬بعضها صفوف النخل على شكل‮ ‬غابات كثيفة،‮ ‬قال قولة شهيرة ظلت تذكر له،‮ ‬فحواها إن الشيخ زايد رئيس الدولة‮ ‬يومها،‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬يسهر بنفسه على عملية التشجير لا‮ ‬يمكن أن‮ ‬يكون إلا شاعراً،‮ ‬فهذا الحرص على جمال المدينة وأناقتها‮ ‬ينم عن روح شخص مرهف الذائقة‮.‬ ولأن نزار قباني‮ ‬كان‮ ‬يعرف أن مكان هذه الغابات من الأشجار والنخيل،‮ ‬كان قبل سنوات قليلة فقط مجرد كثبان من الرمال،‮ ‬فعلينا تخيل مقدار الدهشة التي‮ ‬انتابته‮.‬ في‮ ‬حال بلادنا‮ ‬يبدو الأمر عكسياً‮ ‬تماماً،‮ ‬فالمساحات الهائلة من الخضرة التي‮ ‬كانت تُزين بلادنا في‮ ‬جهاتها المختلفة تتوارى وتتحول إلى‮ ‬غابات من الاسمنت والكونكريت،‮ ‬ونعجز حتى عن تشجير جسر حيوي‮ ‬أو ميدان‮ ‬يقع في‮ ‬قلب العاصمة،‮ ‬ناهيك عن ما حلّ‮ ‬بالمساحات الشاسعة من‮ ‬غابات النخيل بلونها الزيتوني‮ ‬الجميل،‮ ‬أو بالحقول الممتدة من الخضروات،‮ ‬التي‮ ‬باتت حيزاً‮ ‬صغيراً‮ ‬يكاد لا‮ ‬يُرى‮. ‬ إن وصف البحرين ببلاد المليون نخلة‮ ‬غداً‮ ‬وصفاً‮ ‬فولكلورياً‮ ‬يردد في‮ ‬الأغاني‮ ‬والأناشيد المدرسية فحسب،‮ ‬فالنخل الذي‮ ‬كان‮ ‬يعانق السماء،‮ ‬يموت واقفاً‮ ‬بسبب العطش تارة،‮ ‬وينحني‮ ‬ميتاً‮ ‬بسبب سموم التلوث تارة أخرى‮.‬