هناك حيرة نيابية في أمر الأربعين مليون دينار التي أمرت الحكومة بصرفها لدعم السلع الضرورية، لإعانة المواطنين على مواجهة الغلاء المضطرد في الأسعار، ويظهر هذا من خلال التضارب، الذي يبلغ حد التناقض، في أقوال النواب الذين يذهبون مذاهب شتى، حين يتحدثون عن أوجه الصرف المحتملة لهذا المبلغ. الحيرة النيابية، وما تجره من تساؤلات شعبية متواترة عن الأمر، دليل جديد على التخبط الذي يعكس الأداء العام. حتى الآن لا أحد يعلم بالضبط ما هي المعايير التي اعتمدتها الحكومة لتحديد مبلغ الأربعين مليون دينار للمساعدة في التخفيف من غلواء الغلاء، في كلمات أخرى موجزة: لماذا أربعون مليون دينار بالذات، لماذا لا يكون المبلغ أقل أو أكثر، واستطرادا: طالما اعتمد هذا المبلغ دون سواه فما هي أوجه وطريقة صرفه. ما يمكن استشفافه من تصريحات النواب أن لا أحدا منهم لديه إجابة وافية مقنعة على ذلك، مع أن الكثيرين منهم هللوا للأمر في بدايته، وعدوه فتحا مبينا، ومكسبا انتزعوه من الحكومة، مع أن المراقب الحصيف، وحتى غير الحصيف، يعرف أن الأمر أبعد ما يكون عن ذلك. يفترض أن الوضع المالي للبحرين في الفترة الحالية مريح أكثر مما كان عليه في أي وقت آخر، بسبب الارتفاع غير المسبوق في أسعار النفط، وبوسع الدولة أن تقوم بالكثير على صعيد النهوض بالوضع المعيشي للمواطن وتحسين الخدمات الاجتماعية الضرورية المقدمة إليه. لذا قال الكثيرون إن المبلغ المرصود لا يعد مبلغا كبيرا، وكان على مجلس النواب قبل سواه أن يقول ذلك للحكومة بشكل واضح، بدلا من هذا التخبط في التصريحات والمواقف والأقوال. لكن المشكلة لن تنتهي هنا، فحتى المبلغ المرصود عرضة لأن يتوه في دهاليز البيروقراطية الحكومية المعتادة، ولا يجد طريقه إلى أيادي المواطنين المكتوين بنار الغلاء إلا بعد عناء ومشقة، دون أن نغفل ما يجري تداوله من أن المبلغ المرصود هو حتى الآن مبلغ على الورق، وان المبلغ الفعلي الذي سيصرف سيكون اقل من ذلك بكثير. على أن المشكلة الفعلية تقع في مكان آخر. فالأربعون مليون دينار ليست أكثر من مسكن، والمسكن، كالبندول مثلا، مفيد لأنه يريحنا مؤقتا من أعراض المرض، لكنه لا يعالج المرض ذاته. وماذا سنفعل بعد أن يصرف المبلغ المذكور وينتهي تأثيره المؤقت، هل ستعاود الدولة صرف مبلغ آخر مماثل، والى متى ستفعل ذلك؟! الأمر يحتاج إلى معالجة جذرية أخرى، تؤسس لعلاقة مختلفة مع المال العام،وطريقة التصرف في الثروات الوطنية، وتوظيفها في استراتيجية اقتصادية واضحة، يجب أن تؤسس ليس فقط على أساس كفاءة الأداء، وهو أمر مفتقد حتى الآن، وإنما أيضا على أساس تلبية الاحتياجات المعيشية المتزايدة للمواطن، المعني بمواجهة أعبـاء الحيـاة المتزايـدة، وبأن يوفر لقمة كريمة لأبنائه وسكـن لائــق لعائلتــه، وخدمات صحيــة وتعليميــة وبلدية تليــق ببلـد نفطــي مثــل البحرين.
صحيفة الايام