قد يجبر الجيش الباكستاني برويز مشرف ويدفعه للتنحي مثلما عمل بالجنرال أيوب خان عام ,1969 ومثلما أرغم يحيى خان على التنحي عن الحكم أيضا عام ,1971 وتسليم السلطة لمدني هو ذو الفقار علي بوتو حيث طبق الديمقراطية وكان من أفضل الرؤساء الذين تناوبوا على رئاسة باكستان، لكن لم يحالفه الحظ فقد قام ضياء الحق -كان يسمى ضياع الحق- لأنه أهدر دم هذا الوطني والديمقراطي الذي أحب شعبه وقام بإعدامه، من ناحية أخرى فإن وضع مشرف ضعيف ويكرهه الشعب ويشير له بأصابع الاتهام بقتل بنازير بوتو، إذا، لماذا استعجلت السيدة بوتو على مصيرها؟
لماذا لم تقيّم الأمور السياسية وتنتظر قرار الشعب حتى وإن تأخر ذلك خمس سنوات جديدة، مثلاً، لماذا لم توازن الأمور موازنة تامة وهي التي رأت والدها فوق المقصلة؟ لماذا لم تنتظر حتى تتحسن الأوضاع؟ والجواب يكمن في كونها متحدية جدا وتمتلك الشجاعة ولها جماهير واسعة في باكستان، وربما سئمت من الغربة والتشرد وقررت العودة خشيت من عدم فاعلية حزبها بالشكل المطلوب، فجاءت لتعطيه جرعة منشطة، ولكن هذه المرة كانت هي نفسها الجرعة المنشطة للوضع لتغيير هذا الوضع المشين!، وهذا يحدث لأكثر الأحزاب في الدول الإسلامية كون القادة يتسمون بالعجلة واختزال المواقف.
وبلد مثل باكستان، الجيش يلبي أمنيات الشعب، في بعض الأحيان، فليس غريبًا تلبيته هذه المرة في إزاحة برويز مشرف وإنهاء هذه الحقبة السوداء التي يمر بها شعب باكستان، ومن طبيعة جنرالات الجيش أن يمتلكوا اقطاعيات ضخمة من الأراضي وعلى رأسهم برويز مشرف الذي باع كل شيء واباح لنفسه أن يملك الأرض ومن عليها.
ومن شراهته وتسلطه على رقاب هذا الشعب أنه وظف 1200 ضابط في مراكز اساسية في القطاع العام، وعلى سبيل المثال، يدير العسكريون تسع شركات كهربائية من أصل 12 شركة. كما تم وضع ضباط رفيعي المستوى في منصب سفير أو نائب عميد جامعي.
حتى القطاع الخاص يرغب في تشغيل المتقاعدين العسكريين في الصناعات العسكرية والبعض يستخدم نفوذه في تجارتهم الخاصة وبيعها في الأسواق. المعيب في الأمر أن ذلك يحدث في وضح النهار وأمام الناس الذين يزدادون فقرا كل يوم والأغنياء يزدادون غنًى وشراهة، وبالمقابل يزداد النفود السياسي للعسكريين ويستخدم لبناء امبراطورية تجارية لاتعرف قيم الشفافية، لأنها ربيبة الدولة في كل شيء، ولهذا فهي غير مراقبة وبعضها لا يدفع مستحقات الدولة، منذ عام 1958 والطغمة العسكرية تعزز نفوذها في باكستان وهي لا تنوي التخلي عن الحكم حاليا من نفسها إلا الشعب قادر وفي حلبة الصراع أن يحقق الغلبة ويزيح الجاثوم المتربع على صدره..
يوجد في باكستان 20 مليون فلاح بدون أرض والأراضي المشاعة البالغة مساحتها 6,37 مليون هكتار والعسكر في باكستان له الحظ الأوفر في امتلاك هذه الملايين من الهكتارات، فقد خصص له 68,4 مليون هكتار استلم منها لحد الآن 8,2 مليون هكتار، بالإضافة إلى ذلك يحصل هؤلاء على تسهيلات في توصيل الماء إلى مزارعهم مما سهل عليهم الدخول في سوق العمل الزراعي، وهذا يدفع بدوره إلى فسح المجال لهم في التسويق الزراعي.. هذه السياسة أول من رسمها هو الاستعمار البريطاني، وبتوزيع الأراضي الاستثمارية على الضباط يعني ان الجنرالات في الجيش يتحولون يوما وراء يوم إلى اصحاب المليارات، وعلى المستوى القضائي فإن المحكمة العليا متهمة بأنها اطلقت سراح 61 ارهابيا اوقفتهم اجهزة المخابرات وهذا ما اثبط قوى الأمن، والحرب ضد الإرهاب ليست الا حجة للحد من استقلالية القضاء والحريات العامة، واجهزة المخابرات هي التي اوجدت المجاهدين في المناطق القبلية.
فهل كانت السيدة بوتو على علم بذلك؟ قد يكون الجواب نعم، ومن يدري فلربما دمها قد يكون الشرارة الأولى أو بداية لنهاية حقبة إقطاعية عسكرية بغيضة، لأن الشعب الباكستاني ومعه بقية الشعوب قادر على تحويل هذه المعادلة الصعبة لصالح حريته واستقلاله.
هذا ما يراهن عليه غالبية المواطنين الباكستانيين، يراهنون بالأساس على حزب الشعب الباكستاني التي تتزعمه بنازير بوتو وبقية الأحزاب الديمقراطية الأخرى.
صحيفة الوطن
22 يناير 2008