الشيخ صلاح الجودر من بين رجالات هذا الوطن المخلصة، في ذوده عن الوحدة الوطنية للشعب وللمجتمع، وفي انفتاحه، وهو رجل الدين المعتدل المتسامح، على القوى والفعاليات الأخرى وعلى مؤسسات المجتمع المدني، حتى لو لم يكن يشاطرها الرأي في كل شيء، ولكنه يغلب دائما ما هو مشترك وجامع، وينحي جانبا ما هو باعث على الفرقة. وقد شاركنا الشيخ الجودر في بعض الأنشطة التي أقامها المنبر التقدمي، كان آخرها مشاركته في الورشة التي أقمناها منذ شهور قليلة عن »واقع العمل البلدي« في البحرين بصفته عضوا في المجلس البلدي لمدينة المحرق في الفصل البلدي السابق، وبالمثل فانه يشارك في أنشطة أخرى تقيمها الجمعيات الوطنية، ويحضر العديد من فعالياتها ومهرجاناتها الخطابية، على نحو ما فعل في الاعتصام الذي أقامته الجمعيات السياسية احتجاجا على زيارة الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش للبحرين منذ أيام. وقد كتب الشيخ الجودر في هذه الصفحة من »الأيام«، شاكيا من بعض التصرفات التي شهدها هذا الاعتصام، خاصة منها رفع صور الشخصيات الدينية الإيرانية، التي عرضها بعض المشاركين في الاعتصام أمام كاميرات المحطات التلفزيونية ووسائل الإعلام الأخرى، التي كانت تغطي الاعتصام. وليس الشيخ صلاح الجودر وحده من أثاره وأزعجه هذا التصرف، وإنما الكثير من المشاركين، الذين يرون بأن من رفع تلك الصور والأعلام إنما أرسلوا بذلك رسالة أخرى غير تلك التي كنا نبتغيها من مشاركتنا في الاعتصام المذكور. ما هي الرسالة التي نريد توجيهها للرأي العام إذا كنا سنعرض صور القيادة الإيرانية في نشاط أريد منه التعبير عن قضية تعني المجتمع البحريني وفعالياته السياسية والاجتماعية كافة، ولم تقم إرضاء لإيران أو لأي جهة أخرى كائنة من كانت. الجودر قال في مقاله إن ما جرى جعله يعيد النظر في أمر مشاركته في أية أنشطة مقبلة، طالما كانت هذه الأنشطة ستخرج عن مبتغاها الأساس، وتوجه وجهة أخرى غير تلك التي من أجلها أقيمت. في الكلمة التي ألقيتها في الاعتصام قلت إننا نختلف مع السياسة الإيرانية في بعض المسائل، ولكننا ضد أن تكون إيران هدفا لأي عدوان تتعرض له من قبل الولايات المتحدة، وضد أن تستخدم أراضينا أو مياهنا الإقليمية منطلقا لأية عمليات عسكرية تستهدف إيران، وأن يجري النأي بوطننا عن مخاطر وتبعات الأمر. لم نشارك في الاعتصام نصرة للقيادة الإيرانية، ولا كراهية في الشعب الأمريكي الذي نحترم تاريخه وثقافته، وإنما ضد السياسة التي تنتهجها الإدارة الأمريكية الحالية التي تقدم الغطاء لاستمرار العدوان الإسرائيلي على أشقائنا في فلسطين، الذين يسقط العشرات منهم كل يوم شهداء وجرحى، وضد الاحتلال الأمريكي للعراق الذي فكك نسيج الدولة الوطنية هناك وحل الجيش، وحول البلاد إلى ساحة اقتتال طائفي ومستودع للإرهاب والتطرف، وضد مجمل السياسة الأمريكية على الصعيد الكوني التي تتسم بالغطرسة وتمجيد القوة. شكوى الشيخ صلاح الجودر تنبهنا جميعا إلى ضرورة التبصر في أمر الخطابات الفئوية والطائفية التي تطغى على الكثير من الأنشطة التي تقام، وتسبب حرجا للكثير ممن يشارك فيها ابتغاء إيصال رسالة وطنية جامعة مختلفة الفحوى عن تلك الخطابات التي لا تفعل سوى تعميق الشروخ المذهبية.
صحيفة الايام
22 يناير 2008