حتى إلى ما قبل حدوث الطفرة النفطية الثالثة في عام , 2004 كانت قطاعات البنية الأساسية، من إنشاء وتوسيع مطارات وموانئ ومحطات توليد طاقة وجسور وطرق سريعة ومرافق خدمية أخرى، تحظى بنصيب وافر من الإنفاق الاستثماري الحكومي لبلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية. إلا أن ما حدث بعد ذلك نتيجة تضخم إيرادات الموازنات العامة بسبب الارتفاع الكبير في أسعار النفط، ينتسب إلى قائمة الأرقام القياسية سواء فيما يتعلق بحجم الإنفاق على المشاريع الرأسمالية أو بنوعية وحجم المشاريع المنفذة. فلم يحدث في تاريخ بلدان المنطقة الاقتصادي الحديث أن كانت الطفرة الاستثمارية بهذا الحجم وبهذا الاتساع (غطت كافة القطاعات الاقتصادية تقريباً). مثلما لم يحدث أن دخل القطاع الخاص مزاحماً ومواكباً للقطاع الحكومي في الاستثمار بصورة تدعو للاعتقاد بأن تغيراً نوعياً سوف يضع بصماته على الهياكل الاقتصادية لبلدان مجلس التعاون مع نهاية العشرية الأولى من هذا القرن.
ومن بين الأمثلة العديدة على حدوث مثل هذه النقلة الاستثمارية النوعية، هو ما تشهده صناعة النقل الجوي من تطورات بالغة العظم والأهمية، حيث أنفقت عشرات مليارات الدولارات على إنشاء مطارات تضاهي في حجمها وتجهيزاتها وإمكانياتها الاستيعابية كبرى المطارات العالمية، كما جرى وتجري عمليات توسعة لمطارات أخرى. وترافق ذلك مع إبرام صفقات بأرقام فلكية لشراء طائرات تجارية بقيمة ناهزت 100 مليار دولار تقاسمتها شركات طيران بلدان الاقتصادات الصاعدة في المنطقة لاسيما دبي وقطر، وذهب النصيب الأعلى منها إلى شركة اتحاد الصناعات الأوروبية ‘ايرباص’.
ليس هذا وحسب، بل أن تطوراً نوعياً حدث في رواق مشغلي (Operators) صناعة النقل الجوي الخليجية، فبعد أن بدأت في الظهور شركات طيران وطنية في كافة دول المجلس تعود ملكيتها بالكامل إلى حكومات بلدانها، سرعان ما تطور الأمر ليشمل دخول القطاع الخاص إلى الحلبة بمبادرته إلى إنشاء شركات طيران تجارية وأخرى خاصة.
وأمام الحجم المتزايد لعمليات الشحن (Cargo) الجوي ومنافسته (باقتصاديات الحجم) لوسائل النقل الأخرى، فإن من المرجح جداً أن نشهد عما قريب قيام شركات طيران متخصصة في عمليات الشحن الجوي، وذلك لاستثمار هذا المد الاستثماري في هذا الحيز من صناعة النقل الجوي.
هذا التحول النوعي في هذا القطاع التقطته مجموعة يوسف بن أحمد كانو، إذ أعلنت عن تأسيسها شركة بحرينية سعودية مشتركة متخصصة في مجال خدمات الطيران، مع تركيز أفصح على تزويد شركات الطيران العاملة في المنطقة بقطع الغيار اللازمة لانتظام أعمال صيانتها.
إنها بالتأكيد التفاته استثمارية حصيفة وخطوة موفقة لشركة عريقة تتمتع بخبرة تناهز النصف قرن في مجال الطيران، ونقصد بذلك شركة يوسف بن أحمد كانو التي لها تواجد راسخ في قطاعات الأعمال بدول مجلس التعاون.
غير أن الملاحظ هو صغر حجم الشركة وبالتالي نطاق أعمالها، إذ لا يتجاوز رأسمالها 300 ألف دينار بحريني (حوالي 800 ألف دولار أمريكي)، تبلغ حصة الشريك السعودي فيها 60٪. ويبدو أن هذا هو المتاح، والممكن من طاقات استثمارية لدى بعض قطاعات الأعمال في دول مجلس التعاون، حتـى فـي ظـل الطفـرة النفطية الثالثة التي تشهد طوفـاناً مـن الاستثمـار المباشر (Direct investment) الذي طاول شريحة واسعة من القطاعات الاقتصادية بما فيها قطاع مصادر الطاقة المتجددة (Renuables) رغم المجازفة الاستثمارية التي تحف به، والذي أطلق العنان لظاهرة مشاريع الميجا (Mega projects).
وإن كنا نتمنى أن نرى بيوتاتنا التجارية العريقة وقد انخرطت، غير متأخرة، في ‘معمعان هذا المعترك الاستثماري’ برؤى وتوجهات إنتاجية جديدة لا تتجاوز بالمطلق إمكاناتها وطاقاتها وخبراتها المتراكمة.
صحيفة الوطن
13 يناير 2008