سألتني إحدى صحفنا المحلية عن رأينا في المنبر التقدمي من الدعوة التي أطلقها الأخوة في جمعية العمل الإسلامي في التحول إلى حزب سياسي. هذا السؤال، والدعوة التي حفزت الصحيفة على طرحه، تعيدنا إلى جوهر النقاش الذي نشأ في أوساط الجمعيات السياسية، وفي المجتمع عامة في مطالع الحياة النيابية في عام ٢٠٠٢. كانت كتلة النواب الديمقراطيين في المجلس السابق قد تقدمت بمشروع قانون للأحزاب السياسية في البحرين، ووضعت اللجنة القانونية في المنبر التقدمي مسودة هذا القانون، وتولى النواب الديمقراطيون في حينه إرسال نسخ منه إلى الجمعيات السياسية الأخرى لأخذ رأيهم فيه، قبل التقدم به إلى المجلس، ولكن بالنظر للموقف السلبي الذي اتخذته الجمعيات المقاطعة يومها من فكرة التعامل مع النواب، جرى تجاهل الأمر من جانبها كليا. في غمرة التشاور مع الكتل الأخرى في المجلس حول الموضوع، تقدم عدد من النواب الذين عرفوا يومها بـ »المستقلين« بمشروع قانون للجمعيات السياسية، بديلا لمشروع النواب الديمقراطيين، وقد اعتمدت اللجنة التشريعية في مجلس النواب يومها مشروع كتلة المستقلين بشأن الجمعيات السياسية، واستبعدت مشروع »الديمقراطيين« بشأن الأحزاب السياسية. كانت مآخذنا، ومآخذ بقية الجمعيات على ذلك المشروع لا تحصى، وفي حينه نظم المنبر التقدمي ورشة اقترحت قانونا بديلا، اقترحنا تسميته بقانون التنظيمات السياسية، على أن يترك لكل جمعية اختيار التسمية التي تريدها، وتقتضي الأمانة التاريخية القول إن هذه التسمية اقترحها عضو المنبر التقدمي المحامي والنائب السابق محسن مرهون، ومن ثم اعتمدها المنبر. في نتيجة أعمال تلك الورشة جرت مشاورات موسعة بين الجمعيات السياسية أدت إلى التوافق على مشروع بديل لذاك المقدم إلى مجلس النواب، وقام وفد من رؤساء الجمعيات السياسية باللقاء بكل من رئيسي مجلسي النواب والشورى الأستاذ خليفة الظهراني والدكتور فيصل الموسوي، وسلمهما نص ذلك المقترح. للإنصاف فان اللجنة التشريعية في مجلس النواب أخذت بالكثير مما ورد في مقترحنا البديل، ولكنها بالمقابل أبقت على الكثير من القيود الموجودة في مشروع قانون الجمعيات السياسية المقدم من كتلة »المستقلين«، ليصدر قانون الجمعيات المعمول به حاليا بسلبياته وايجابياته. لا علم لنا بتفاصيل دعوة جمعية العمل الإسلامي حول التحول إلى حزب سياسي، ولكن، في حقيقة الأمر، فان طبيعة النشاط الذي تمارسه الجمعيات السياسية، خاصة منها تلك ذات التاريخ العريق هو عمل حزبي في آلياته وطبيعته، بصرف النظر عن المسمى الذي نص عليه القانون. وأن تتغير تسمية القانون ليصبح قانونا للأحزاب السياسية أمر حميد، ولكنه لن يغير الكثير من جوهر الأمر طالما استمرت القيود المنصوص عليها في بنوده نافذة، فالعبرة ليست في التسمية وإنما في جوهر الحق في العمل الحزبي الذي أصبح لأول مرة في تاريخ البحرين شرعيا ومحميا بالقانون. ولأننا ندعو لقيام دولة المؤسسات والقانون، ونعمل في سبيل ذلك فإننا نرى أن السبيل الصحيح هو العمل على تطوير هذا القانون من خلال الآليات الدستورية، وليس من ضرر في أن يتم ذلك بشكل تدريجي، فضلا عن أن هناك مساحات في العمل الحزبي يوفرها القانون الحالي يجب استثمارها بصورة أفضل، وهو ما لا يحدث في الكثير من الحالات.
صحيفة الايام
7 يناير 2008