ثمة تقرير عن دور المال في السياسة أعده مركز الروابط للدراسات الاستراتيجية والسياسية.
يشير التقرير إلى ان دور المال في السياسة يتحدى جميع أنحاء العالم، سواء الدول الغنية او الفقيرة، ويثير استخدام المال مشاكل الكسب غير المشروع والفساد والمحسوبية التي تقوض الشرعية والحكم، وفي السنوات الأخيرة، انتشرت الفضائح المالية في جميع انحاء العالم.
ومن الامثلة على ذلك في بريطانيا قدم امين صندوق حزب المحافظين 250 ألف جنيه استرليني من أجل الوصول إلى منصب رئاسة الوزراء. وفي ألمانيا ضرب الفساد البلاد خلال السنوات الأخيرة للمستشار هيلموت كول. وفي استراليا تنحى اعضاء الحزب الليبرالي الذي يرأسه رئيس الوزراء عن مناصبهم بعد جمع التبرعات غير المشروعة، وفي شيلي هزت مزاعم الفساد الأخيرة المؤسسة السياسية في البلاد.
ومع ذلك يقول ان المال ضروري من أجل الحشد الجماهيري في الحملات الانتخابية، واستمرار المنظمات الحزبية السياسية، والتواصل مع المواطنين، وفي بلد مثل السويد تمكنت الحكومة من تجنب الوقوع في المخالفات المالية والكسب غير المشروع.
إذن كيف يمكننا تنظيف السياسة بطريقة أكثر فعالية؟
عن هذا السؤال يرى ثمة أدلة جديدة بشأن هذه القضية متوفرة في التقرير المقارن ومجموعة البيانات الصادرة عن مشروع المال والسياسة والشفافية، من منظمة النزاهة العالمية ومؤسسة «صن لايت» ومشروع النزاهة الانتخابية في جامعة هارفارد وجامعة سيدني.
في حين يجادل خبراء الانتخابات في جميع انحاء العالم بان التمويل السياسي هو احد المشاكل الرئيسية التي تواجه الاحزاب السياسية والمرشحين خلال الحملات الانتخابية، كما تلحق اللوائح غير الفعالة الضرر بالنزاهة الانتخابية في جميع انحاء العالم.
ويقارن التقرير بين كيفية معالجة هذه المشاكل في الاقتصادات الناشئة المختلفة مثل الهند والمكسيك وجنوب افريقيا وروسيا وكذلك في الديمقراطيات الراسخة مثل بريطانيا والسويد واليابان والولايات المتحدة.
كيف تنظم الدول المال في السياسة؟
يقول التقرير: تشمل السياسات التي تنظم دور المال في السياسة متطلبات الافصاح، وحدود المساهمة، وسقف الانفاق والدعم الحكومي، وفي معظم الحالات، يتم الجمع بين هذه الاستراتيجيات.
وتتراوح الدول في مختلف انحاء العالم داخل طيف يمتد من الحرية المطلقة إلى التنظيم الشامل.
وتعكس قواعد الشفافية الدور الادنى للدولة. وتتوفر حدود المساهمة والانفاق بشكل مباشر في توفير منافسة حزبية عادلة والحد من مخاطر الفساد. التمويل العام الذي يعتمد بشكل مباشر على الدولة، هو أقوى نموذج لتدخل الدولة، كما يعكس المزيج من السياسات التنظيمية اقصى حد من تنظيم الدولة.
وتوضح المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات ان الدول مثل جنوب افريقيا والسويد والهند لديها المزيد من سياسات الحرية المطلقة، في حين ان البرازيل واندونيسيا وروسيا هي دول أكثر تدخلية. ولكن المزيد من السيطرة القانونية ليست جيدة بالضرورة اذ يتم خلط النتائج.
ولعل تهمة الفساد الموجهة للرئيس الفرنسي الاسبق نيكولا ساركوزي في قضية التمويل الليبي لحملته الانتخابية عام 2007 هي من الأدلة البارزة والدامغة على الفساد السياسي وهو ما جعل القضاء الفرنسي ان يضع ساركوزي قيد التحقيق بتهم الفساد.
مجمل التقارير الاقليمية عن الفساد السياسي في الدول العربية تتحدث عن جذور الفساد في الانظمة السياسية من بينها الآليات التي اتبعت في تسلم السلطة في معظم الدول العربية، لم تكن خياراً ديمقراطياً يضفي شرعية حقيقية على الانظمة!.
ويشير تقرير الائتلاف من اجل النزاهة والمساءلة – (امان) فلسطين – إلى ان الانظمة العربية حرصت على احتواء النشطاء والمسؤولين في المفاصل المهمة للدولة، وفي مواقع اتخاذ القرار في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية واجهزة الرقابة الرسمية، كما قامت بإنشاء مؤسسات مجتمع مدني «حكومية» لاحتواء العمل والنشاط المدني، وسيطرت على اجهزة الاعلام الرسمية واستخدمت في ذلك وسائل متنوعة، كمنح الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتعزيز ظاهرة الزبائنية والمحسوبية القائمة على اساس العائلة والطائفة وشراء الولاءات، خاصة ولاءات مسؤولي الاجهزة الامنية التي تم انشاؤها بتوسع وبأسماء مختلفة، وانشأت مصالح مشتركة مع كل منها، وقد لعب الفساد في هذه المنظومة دور اللاصق فيما بينها.
وبشيء من التوضيح لقد برز في العالم العربي – وهو ما يؤكد عليه التقرير – بيئة وفرص من الفساد، غير مرتبطة بشخص معين، بل بجماعة أو شريحة كالحزب أو العائلة او الطائفة، ولم تتم مساءلة او محاسبة المسؤولين عنها.
بسبب ضعف السلطتين التشريعية والقضائية ومؤسسات المجتمع المدني، ومع مرور الوقت لم تعد حالات او ظاهرة عابرة ومرتبطة بحدث معين ولكنها اصبحت ظاهرة ارتبطت برموز النظام واعوانه والمقربين منه وخاصة وان معظم هذه الدول لا تجرى فيها انتخابات ديمقراطية حقيقية.
صحيفة الأيام البحرينية العدد 10597 السبت 14 ابريل 2018 الموافق 28 رجب 1439