لا حاجة للتبحر فى معنى اتهام بعض النواب الأشاوس خلال الأسبوع الماضي لمجلس الشورى بانه يتستر على الفساد، لمجرد ان هذا المجلس رفض مشروع قانون نيابي يهدف الى إلزام ديوان الرقابة المالية والإدارية بإحالة اي مخالفات تنطوي على جرائم او شبهات جنائية الى النيابة العامة، رافضا تحويل الديوان من جهاز رقابي الى جهاز تحقيق..!
في ردة فعل وجدنا رئيس مجلس الشورى وهو يبدي الأسف على الاتهام، كما وجدناه يبدي الحرص على «عدم زج ديوان الرقابة فيما يضعف من دوره حين تذهب القضايا الى القضاء، وتأتي احكام مناقضة لرأيه»، علاوة الى ان ذلك «يؤدي الى إضعاف ديوان الرقابة امام الرأي العام وامام المواطن»، وهذا كلام اقترن بتساؤل له مغزاه ومنطقيته، «هل ديوان الرقابة متواطئ مع مجلس الشورى لأنه توافق معه في الرأي حول هذا الموضوع»..؟
لن نستغرب او نستنكر ذلك الاتهام، او الحيثيات او الخلفيات التي اقترنت به، ولكن لا يفوتنا لن نلاحظ ان النواب، وهم المنتخبون، نعيد التنبيه على مسألة المنتخبين، هم وليس غيرهم من قوضوا وعطلوا أدوات الرقابة والمساءلة والمحاسبة البرلمانية للسلطة التنفيذية وهى احدى مهامه المنصوص عليها دستوريا بجانب المهام التشريعية والتي كان يمكن من خلالها تفعيل دور المجلس النيابى فى مواجهة الفساد، فى مشاهد لم ولن تنسىى خاصة انها ارتبطت باجواء مثيرة للدهشة من الهرج والتهريج، والخلط بين الظاهر والباطن او المعلن والخفي، ونستطيع ان نذكر لمن ينسى او يميل الى النسيان من النواب وغيرهم، نذكر بالنصوص والتفاصيل والمواقف والوقائع والمراوغات والصراعات المصطنعة، كلها نشرت على الملأ وموثقة باليوم والتاريخ ويمكن الرجوع اليها فى اي وقت، والتى وجدنا من خلالها كيف ان نوابا فى أواخر الفصل التشريعى السابق وهم يقيدون صلاحياتهم فى الرقابة والمساءلة والاستجواب، وضعوا لها أغلالاً وقيودًا فى مشهد غير مسبوق فى تاريخ البرلمانات فى العالم بعد ان تبنوا ومرروًا مشروع قانون قضى برفع نسبة الموافقين على استجواب الوزراء من نصف أعضاء المجلس النيابى الى ثلثى الأعضاء، وهذا يعني ان الاستجواب اصبح أبعد من كل تصور..!، وجدنا ايضا النواب وهم يقفون سدا منيعا لمنع قيام هيئة وطنية لمحاربة الفساد متجاهلين انها من ضمن مقتضيات الاتفاقية الدولية لمحاربة الفساد التى انضمت اليها البحرين فى 21 ديسمبر 2010.
القائمة طويلة، وفى سياقها وجدنا فى الفصل التشريعي الحالي ما لا يخطر على المرء ان يرى مثله فى برلمانات معتبرة، وجدنا نائبا وهو يتهم علنا نوابا آخرين بأنهم حصلوا على رشاوى لرفضهم اتفاقية السيداو، ووجدنا نائبا آخر يصرح بكل شفافية «التشريع مسحوب منا، والرقابة مسحوبة منا، ماذا نناقش سوى الاقتراحات برغبة، اننا نغرق فى تقديم هذه الاقتراحات»، ووجدنا آخر وهو يعترف بان النواب يسيرون خلف الأوامر، لا يملكون ارادتهم، ووجدنا نوابا وهم يتمترسون بحصانتهم البرلمانية في قضايا مدنية، ووجدنا لجان تحقيق ماتت قبل ان تولد وشيعت الى مثواها الأخير، وقبل ذلك وجدنا نوابا يتلكأون في تقديم إقرارات بذممهم المالية..!!
تلك أمثلة ليس إلا للتذكير والعلم والنظر، وحيالها لا يجب ان نجيز لأنفسنا الغفلة إن ما هو امامنا الآن بكل تراكماته يوصلنا الى اقتناع خلاصته بان النواب، النواب المنتخبين وليس غيرهم لهم حصاد من الاختلالات تسحب من رصيد عملهم البرلماني، ان كان ثمة رصيد لديهم بالأساس، بمعنى آخر ان الاختبار العملي للنواب حيال اي جهد يفترض انه يتصدى للتجاوزات ويواجه الفساد لم يكن يعول عليه لأن نتيجته معروفة سلفا، يكفي معاودة النظر فى الوقائع المشار اليها، ومآلات التعاطى مع تقارير ديوان الرقابة، وكلها وغيرها أفرزت أسئلة حساسة كثيرة يتهامس بها الناس، ومنها ما تردد على مواقع التواصل الاجتماعي، أسئلة مقرونة بعلامات تعجب واستفهام لاتتوقف حول المشهد البرلماني الذى بدا عبثيا من غرائبه وعجائبه انه وبفضل نوابنا وعزيمتهم لم يتحقق اي إنجاز ذى قيمة على صعيد الصلاحيات الرقابية، وتفعيل أدوات الرقابة والمساءلة والمحاسبة بالرغم من كل الشعارات التى تحاصرنا على الدوام من كل جانب وفى كل شئ ولم نعرف لها سقفا ولا حدودا ولا نتائج سوى انها عمقت ما تسرب الى نفوس الناس من يأس..!
نعود الى ما كنا قد بدأنا به، اتهام بعض النواب لمجلس الشورى بأنه يتستر على الفساد، والسبب ان هذا المجلس رفض مشروع قانون نيابي يلزم ديوان الرقابة بإحالة اي مخالفات الى النيابة العامة، رد الحكومة حول المقترح كان مفهوما وواضحا، وخلاصته ان ديوان الرقابة ليس جهة اتهام أساسا وليس من اختصاصه التحقيق فى المخالفات المالية والإدارية التى يكتشفها من خلال عمله الرقابي او تلك التى يرى انها تنطوي على جريمة جنائية.
كان جديرا بالنواب طالما لديهم الاهتمام بان يتعزز دور ديوان الرقابة المالية والإدارية فى المساءلة وحماية المال العام، كان جديرا بهم وقبل ان يوجهوا لمجلس الشورى اتهاما بانه يتستر على الفساد ان يلتفتوا الى ان المسؤولية تضامنية بين المجلسين كسلطة تشريعية، بل ان النواب وقبل غيرهم يتحملون القدر الأكبر من مسؤولية مكافحة الفساد بكافة صوره وأشكاله ومستوياته، على الأقل بمعيار المسؤولية السياسية كسلطة تشريعية منتخبة، وكان عليهم بذل كل جهد ممكن لتعديل قانون ديوان الرقابة بشكل يأخذ فى الاعتبار ما يدعون اليه ويفعل دور الديوان فى الرقابة والمساءلة والمحاسبة وتحويل المخالفات التى تنطوى على شبهة جنائية الى النيابة العامة، وقبل كل شئ كان على النواب ان يكونوا نوابا، وافهموا هذه العبارة كيفما شئتم..!!
هل يمكن ان تتحقق الجدية المقرونة بالارادة حتى يتحقق المراد الذي نتطلع اليه ونجتمع عليه حيال ما يدور فى فلك الآنف ذكره، أم اننا نتحدث عن أمنيات، وقائمة الأمنيات طويلة، أمنيات لا تتحقق، وقائمة التساؤلات حول الفساد هى ايضا طويلة، تساؤلات يطرحها المواطن على نفسه، على الأقل ليؤكد انه ليس ساذجا، هل من شجاع يجيب عليها بمنتهى الصراحة والوضوح، الشك قائم الى درجة اليقين، ما رأيكم..!!