يحق للمرء وهو يتابع ما نشر حول أمور تخص هيئة التأمين الاجتماعي، وما خلصت اليه نتائج لجنة التحقيق البرلمانية من نتائج حول صناديق التقاعد والعوائد الضئيلة لاستثماراتها، وما أثير ولا زال من لغط حول احتمالية المساس بالحقوق التقاعدية، بعد تمرير مسألة المساس باحتياطي صندوق الأجيال، يحق للمرء ان يسأل وماذا بعد..؟!!
ما نشر مذهل، وباعث على الحيرة والدهشة والقلق في آنٍ واحد، وسيكون للمرء العذر ان ظنّ – رغم ان بعض الظن آثم – بان أمور الهيئة تسير بغير ضابط ولا رابط، خاصة في ظل اصرار القائمين على أمور الهيئة على الصمت، وكأن كل ما يثار ويربك الناس ويقلقهم، لا يعنيها، وهو أمر يدعو الى أسف عميق، ولا يمكن ان يُستقبل بارتياح، لا سيما وان الهيئة يفترض – نقول يفترض – ان تكون في صدارة الجهات والمؤسسات والهيئات التي تلتزم بالشفافية والحوكمة والتي تعني ضمن ما تعنيه في حالة الهيئة، إدارة متسقة، وسياسات متماسكة، وإدارة كفوءة، وقرارات صائبة، وكل ما يحفظ على الأصول والممتلكات والاستثمارات، لكننا وجدنا الهيئة دوماً تلوذ بالصمت و«التطنيش» حيال قضايا وملفات وأمور مهمة تمسها في الصميم أثيرت على مدى سنوات طويلة، ولكنها أبت إلا ان تتجاهل حتى الحق المتاح في الرد والتصحيح، وحق الناس في المعرفة، وحق المتقاعدين في طمأنتهم وتوضيح حقيقة هذا الذي يثار ويقلقهم، وتبيان اذا كانت أمور الهيئة تمضي حقاً في الاتجاه السليم، خاصة في ضوء ما أورده ديوان الرقابة المالية من «ملاحظات»، و«شبهات» و”تجاوزات”، و«مثالب»، مضافاً الى ذلك ما كشفت عنه مؤخراً لجنة التحقيق البرلمانية..!! وتوقع الناس في ضوء ذلك عملاً شاقاً سيقوم به أولو الحزم والعزم لاتخاذ ما يلزم لتصويب أمور الهيئة..!
للإحاطة والعلم والتذكير، قبل لجنة التحقيق تلك، شكلت لجنة تحقيق برلمانية أولى فى الفصل التشريعى الأول «2002-2006»، وبالتحديد في 15 ابريل 2003، وحددت هذ اللجنة أسباب الهدر المالي وسوء الادارة في الجانبين الاداري والاستثماري، وقدمت حينها توصيات نشرت ويمكن الرجوع اليها في اي وقت، وهي توصيات هامة كان من شأنها لو نفذت ان يكون لها أثر في الوصول بحال الهيئة الى ما هو أفضل، وهذا التقاعس في الالتزام بما ينهض بحال الهيئة أمر يثير الكثير من التساؤلات وعلامات التعجب بشكل يفوق اي تقدير، واذا ما أمعنا النظر فى الخلاصات التي خرجت بها لجنة التحقيق البرلمانية الثانية في الصناديق التقاعدية والتي أعلن عنها مؤخراً ( الأيام 29 ديسمبر 2017 ) والتي توصلت الى ان صندوق تقاعد موظفي القطاع العام على شفا الدخول في مرحلة العجز الحقيقي في عام 2018، وانه من المتوقع ان يكون ايرادات الصندوق بما في ذلك عوائد الاستثمار اقل من اجمالي مصروفاته، علاوة الى كشف احد أعضاء لجنة التحقيق البرلمانية عن مشروع قانون تقاعد جديد يلغي مكافأة نهاية الخدمة ويقلص الامتيازات والمكتسبات ( الأيام 28 يناير 2018 )، وهو التصريح الذي أثار الكثير من البلبلة ونشر حالة من التوجس والقلق بين موظفي الدولة وأشاع الخوف بينهم من ضياع حقوقهم التقاعدية، اذا أمعنا النظر في ذلك وفى كل الخلاصات او النتائج التي خرجت بها لجنة التحقيق، وكل اللغط المثار في مواقع التواصل الاجتماعي، سنجد بأننا امام ملف لا يجوز ولا يليق ولا يمكن السكوت عليه بأي حال من الأحوال..!!
لنتفق أولاً، بأن الحقوق التقاعدية يجب ان تكون بمنأى عن اي مساس، ليس فقط باعتبارها أصولاً ثابتة لا يجب التعرض لها، والعبث بها بأي شكل من الأشكال، وتحت اي ظرف كان، بل لأنه اضافة الى ذلك أمر يمس الأمن الاجتماعي، وانه ليس من مصلحة وطنية تخويف الناس وإثارة الهلع بينهم، تارة بذريعة افلاس الهيئة اكتوارياً، وتارة بذريعة القصور في تنمية الموارد المالية للهيئة وضعف العوائد المالية لاستثماراتها، او بأية ذريعة اخرى..
لنتفق ثانياً، ان هناك العديد من الدلائل والوقائع التي رصدت ووثقت في تقارير ديوان الرقابة المالية والإدارية طيلة السنوات الماضية، وجلها تقريباً حول أوجه هدر وضعف في الأداء الاداري والاستثماري دون ان يجد المواطن البحريني حلولاً ومعالجات صائبة ولا حتى اجابات شافية على ما هو مثار في شأن هذا الملف المهم والحساس.
لنتفق ثالثاً، بأن استمرار تفرد الحكومة في إدارة الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية سابقاً وهيئة التأمين الاجتماعي حالياً، واستمرار تغييب ممثلي العمال في مجلس إدارة الهيئة، لهو أمر ينبغي تجاوزه على وجه السرعة، وتشكيل مجلس إدارة جديد مع قواعد اختيار جديدة لاعضاء المجلس، تضمن ولو الحد الأدنى من الجاهزية والمقدرة والاستعداد لحسن إدارة واستثمارات الهيئة..!
لنتفق رابعاً، بأنه لا معنى لهذا الصمت من جانب إدارة الهيئة على كل ما يثار بشأنها، وكل ما يهم المتقاعدين، من اشاعات او اقاويل، لارد، لا توضيح، ولا تطمين للناس حول اوضاع اموالهم ومستحقاتهم التأمينية، ولا اي شيء من هذا القبيل، وإنما التزمت الهيئة الصمت، وكأنها لم تقرأ ولم تسمع، في الوقت الذي يتوجب على الهيئة ان تكون في صدارة المؤسسات والأجهزة التي تلتزم فعلياً بالشفافية، والشفافية باختصار عكس التعتيم والسرية.
لنتفق أخيراً، بأنكم اذا كُنتُم عاجزين عن تحقيق مكاسب جديدة للمتقاعدين، فتوقفوا عن مسلسل توتيرهم وتخويفهم ببث ما يعتقده البعض بانه تهيئة للاستعداد بأن حقوقهم ومكاسبهم التقاعدية عرضة للمساس بأي شكل من الأشكال، حتى التصريح المنشور في هذه الجريدة يوم السبت الماضي لأحد النواب عن قرب توحيد مزايا التقاعد بين القطاعين العام والخاص، لم يعد قابلاً للتصديق، فهو كلام نسمع عنه منذ سنوات، ويطرح في وقت اصاب الناس احباط، وتسربت مخاوف يتعاظم حضورها في نفوسهم في ظل الكثير من اللغط حول حقيقة ما يمكن ان تؤول اليه اوضاعهم التقاعدية، والمؤسف اننا حتى هذه اللحظة لم نجد ولا مسؤولاً واحداً قام بوضع النقاط على الحروف فيما يخص ملف التقاعد والمتقاعدين..!!
وإن كان ثمة كلمة يجب ان تقال امام هذا الملف، فهي، لماذا تتصرفون هكذا..؟!!.