كثير من الشعارات التي يطرحها بعض النواب وغيرهم ازاء هذا السباق المحموم بين وزارات ومؤسسات الدولة لفرض رسوم سواء تحت غطاء استرداد كلفة خدمات البنية التحتية، وتخصيص بعض الخدمات، وإعادة النظر في بعض الرسوم، وإعادة هيكلة الدعم وتوزيعه على مستحقيه، دون إعطاء المواطن فرصة التقاط أنفاسه، وترتيب حساباته، كان هذا العنوان هو “المواطن خط أحمر”..!!
لا نرانا في حاجة الى فضح عملية تفضح نفسها بنفسها، دون هوادة، ودون مراوغة، فالمواطن لم يعد يمثل لا الخط الأحمر، ولا أي خط آخر، بل أصبح «الطوفة الهبيطة»، وبات عليه من الآن فصاعداً أن يتهيئ لتضحيات جدية، أليس هذا ما نطالب به الآن، ألم يصرح أحد المسؤولين بأن الأوضاع المالية الجديدة والتحديات الاقتصادية تفرض هذه التضحيات، دون ان يكون هذا المسؤول، او أي مسؤول آخر صريحاً وواضحاً ما اذا كانت التضحيات المطلوبة سيكون المواطن ضحيتها، وبأنه يتوجب على هذا المواطن أن ينسى ما كان يردده بعض كبار المسؤولين بأنه يحظى بالأولوية، وبأنه لن يمس او يضار من اي إجراءات، وبأنه سيظل خطاً أحمر..!!
لم تعدْ هناك خطوطاً حمراء، الكلام هذه المرة على لسان رئيس اللجنة العليا لإعادة هيكلة الدعم النائب الأول لرئيس مجلس الشورى، فالرجل كان واضحاً وصريحاً حين أعلن بأنه لا توجد أي خطوط حمراء وجميع العلاوات الحالية مطروحة على طاولة النقاش، ووجدنا النائب الثاني لمجلس النواب يرد في تصريح نشر في هذه الجريدة يوم الجمعة الماضي “ان الخط الأحمر هو المواطن ومعيشته وقوت يومه، وانه ليس في مصلحة أحد تجاوز هذا الخط، وان المصلحة العليا للمملكة تقتضي التريث وعدم الهرولة للتضييق على المواطن ومنازعته في قوت يوميه..”.
تلك قناعة جيدة، ولكن النواب لم يترجموا إيمانهم بها على أرض الواقع، فما حدث في الأيام الماضية حين أراد النواب تعليق او وقف قرار رفع اسعار البنزين، كان موقفهم مفاجئاً ومخيباً لمن كان يعلق عليهم أي أمل، فبعد الكثير من المواقف الاستعراضية والخطب الطنانة والتصريحات العنترية الرافضة والمتصدية للقرار، نفاجئ بأن نصاب الجلسة لا يكتمل، بل يتغيب عن التصويت أكثر من نصف النواب، في موقف نحسبه من أكثر المشاهد الهزلية لنوابنا، ولنعلم، ونتذكر، ونذكر بوصف رئيس مجلس النواب في الجلسة إياها، وصف له دلالة ومعنى، «هذا مجلس نواب وليس سوق سمك»، أي قدر سيئ يا ترى هو الذي كتب لنا بتحويل مجلس النواب الى ما يشبه سوق السمك..!!
اليوم تحديداً، النواب أمام امتحان جديد، ففي جلستهم المقرر عقدها اليوم الثلاثاء، أمامهم مجدداً الاقتراح برغبة بصفة مستعجلة بوقف قرار زيادة أسعار البنزين، وهو المقترح الذين أفشلوه على النحو المذكور، واذا كانت المناقشات مع السلطة التنفيذية تذهب كما هو مقرر الى بحث آلية لإعادة هيكلة الدعم الحكومي تنفيذاً للتوجيهات الملكية، فإن هذا يجعل الامتحان عويصاً، ويجعل النواب أمام تحدٍ وليد الحسابات إياها، تحدٍ يضفي شيئاً من الجدية في العمل البرلماني وفي مخرجات هذا العمل، هذا بالنسبة للناس الذين يحبون ان يظلوا يأملوا، ويصدقوا ان نوابنا قادرون حقاً على فعل شيء ما، ولكن بالمقابل هناك من هم على ثقة بأن نوابنا حالة فريدة لن يفعلوا شيئاً، بل انهم يمعنون في جرجرة العمل البرلماني، والتجربة البرلمانية من شفير الهاوية الى أعماقها، هذه هي القناعة التي يبدو انها باتت راسخة في أوساط الأكثرية من المواطنين..!
المواطن، وهو المغلوب على أمره دوماً، مصدوم من سرعة القرارات التي تتوالى والتي تمس جيبه وترهقه وتضغط عليه، ومصدوم من بطئ او انعدام القرارات التي تنهض بواقعه ومعيشته، وكل ما هو مطلوب الآن من هذا المواطن ان يتهيئ من الآن وصاعداً لتضحيات جدية، أليس هذا ما طالبنا به أحد المسؤولين الذي رأى بأن الأوضاع والمتغيرات، وعجز الموازنة، والمديونية وأعبائها تفرض هذه التضحيات، وهذا يعني ان على المواطن ان ينسى بأنه لازال خطاً أحمر، وبأنه أولوية، وانه لن يمس، الى آخر المعزوفات، وبأن عليه ان يتحمل سياسات خاطئة، لم تكن شفافة يوماً، سياسات تفرض عليه المزيد من الرسوم والأعباء والضرائب، وعلى ذكر الضرائب، عليه ان يستعد لضريبة القيمة المضافة، وعليه ان يتهيئ بزيادات وارتفاع في أسعار سواء تلك التي تفرض تحت عناوين براقة مثل إعادة هيكلة الدعم وتوجيهه الى مستحقيه، او تلك التي يفرضها تجار جشعون على النحو الذي رصد وأعلن عنه في الأيام الماضية، وبشكل عام فإن مجريات الأمور تذهب باتجاه استهداف الفئات الضعيفة، وحتى الطبقة الوسطى لم يعد حالها كذلك، ليظل المواطن يعيش في وضع تتعاظم فيه حالة الضنك والضيف والقلق، في ظل رواتب باقية على حالها، وأعداد كبيرة من البحرينيين الذين يبحثون عن أعمال، وبرلمانيون يثيرون الاستياء لا أحد منهم حاول ان يطرح فكرة الضريبة على دخل وأرباح الشركات وأصحاب المداخل العالية، بدل استهداف الفئات الضعيفة، الضعيفة فعلاً.