الخروج من الأزمة بحاجة لاعادة هيكلة الاقتصاد والسياسة على أرضية الاصلاح والمشاركة الشعبية
التيار الديمقراطي يحذر من خطورة وتداعيات تفاقم الوضع المالي للدولة
أبدت قوي التيار الديمقراطي قلقها من تفاقم الدين العام وخطورة تداعياته على التنمية واستقرار الأوضاع الاقتصادية وذلك في ضوء اقرار موازنة 2017 و 2018 دون وجود رؤية واضحة لكيفية معالجة العجز المالي الضخم وسداد الديون المتراكمة.
وكانت جمعيات التيار الديمقراطي قد أصدرت بيانا بعد طرح مشروع الموازنة العامة، الذي جاء متأخرا 8 شهور في مخالفة لأحكام الدستور، طالبت فيه بمكاشفة المواطنين بحقيقة الأوضاع المالية وخطة الحكومة لمعالجتها واقترحت تشكيل مجلس أعلى لادارة الأوضاع الاقتصادية والمالية بمشاركة المجتمع المدني وفي الوقت نفسه معالجة الملفات الأمنية والحقوقية والسياسية الراهنة.
إن الموازنة المقرة تشكو من نواقص عديدة مثل عدم ربط الموازنة بالبرنامج الحكومي المقر للسنوات 2015-2020، وضعف الشفافية في مواقع عديدة مثل كيفية استخدام أموال المارشال الخليجي ودخل مصفاة النفط ومصير ايرادات أقساط الاسكان التي يدفعها المواطنون، وسياسات الرسوم والضرائب ومنها المبالغ المتوقع تحصيلها من ضريبة القيمة المضافة، وأسئلة أخرى مقلقة حول الدين العام
كما ان دعاوي السلطتين التنفيذية والتشريعية بأن احد المكاسب الرئيسيّة للميزانية هي الحفاظ على مكتسبات المواطنين هي دعاوي لا أساس لها من الدقة اذ انه تم زيادة العديد من الرسوم على المواطنين وهناك تلويح بزيادة سن التقاعد وفرض رسوم على الخدمات الصحية، كما ان كافة زيادات الرسوم على القطاع الخاص سيتم تحميلها على كاهل المواطن، عدا عن كوّن إقرار ميزانية مثقلة بأعباء الدين ودون أهداف تنموية واضحة، وباعتبارها المحرك الرئيسي لعجلة النمو الاقتصادي، لا بد ان يلحق الضرر الشديد بالمستوى المعيشي للمواطنين في المدى المتوسط ، لقد واصل الدين العام صعوده القياسي فسجل 8.9 مليار دينارا في نهاية 2016، اضافة الى أكثر من مليار دينار استلفتها وزارة المالية من البنك المركزي ولم تسجل كدين عام، فبلغ ما يزيد عن 83% من اجمالي الناتج المحلي. وخلال السنوات العشر الماضية، ارتفع الدين العام بوتيرة أعلى بكثير مما يتطلبه مجرد تغطية العجز السنوي المعلن، مما يؤكد مخاوفنا بأن العجز، وبالتالي النفقات، كانا أكبر بكثير مما هو معلن عنه، لتصبح النتيجة واضحة للعيان. فقد صعد الدين العام في سنوات الطفرة النفطية من حوالي مليار دينار عام 2006 الى 5.6 مليار قبيل انهيار أسعار النفط في نهاية 2014 ثم اضيفت 4.3 مليارات أخرى في عامي 2015 و 2016، وبات من شبه المؤكد ان نصف دخل البلاد من النفط سيذهب العام القادم لتسديد فوائد الدين العام.
ومن جهة أخرى كشفت موازنة البنك المركزي للعام 2016 استمرار الهبوط الكبير في احتياطي البنك من العملات الأجنبية، من 2.3 مليار دينار في 2010 إلى 1.1 مليار في 2016، وأصبح احتياطي البنك المركزي لا يكوّن إلا 41% من مجموع موجوداته بعد أن كان يشكل 95% منها في 2010. هذا القدر المحدود من الاحتياطيات لا يغطي سوى 78 يوما من واردات البلاد، الأمر الذي يشكل قلقا كبيرا على قدرة البلاد على مواجهة الاستحقاقات المالية وعلى استقرار العملة المحلية.
وعقب زيارتهم البحرين في مارس من العام الجاري، أبدى خبراء صندوق النقد الدولي قلقهم من الوضع المالي حيث أفادو أن العجز والدين العام سجلا 18% و 82% على التوالي من اجمالي الناتج المحلي (وهي أرقام أعلى من تلك التي صرحت بها الحكومة)، وتوقعوا أن يستمر العجز في الموازنة في حدود 12% خلال الأعوام القادمة مع ارتفاع هائل في الدين العام، أي أن الدين العام سيتخطى 100% من الناتج المحلي في منتصف عام 2018. ومن الصعب تخيل أن بالامكان الاعتماد على استعداد المستثمرين الدوليين والمحليين في تمويل العجز المالي إلى مالانهايه.
إن معالجة الأوضاع المالية الصعبة للبحرين تبدأ بالمكاشفة والشفافية الكاملة ومراجعة أخطاء المرحلة السابقة التي حققت فيها البلاد طفرة قياسية في مدخولاتها النفطية دون أن تسفر عن تكوين احتياطيات مالية كبيرة- كما في دول الجوار- تساهم في تخفيف وطأة مرحلة انخفاض أسعار النفط. إن دورة صعود وهبوط أسعار السلع مثل النفط أمر معروف ومتكرر حتى لغير ذوي الاختصاص، ومن المؤسف ان متخذي القرار لم يستفيدوا من خبرة صعود النفط في السبعينيات وانهياره في الثمانينيات وآثاره الخطيرة على الوضع المالي للدولة انذاك.
اننا في الحقيقة لا نرى أفقا في المدى القريب لارتفاع كبير في أسعار النفط يعيد التوازن للمالية العامة للدولة، فأسعار النفط في الأسواق المستقبلية لا تزيد عن 55 دولار حتى 2020، والاستثمارات لن تتدفق في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة، لذلك فان خيارات الدولة محدودة وتحتاج الى تظافر كل الجهود الوطنية من أجل اعادة هيكلة الاقتصاد والسياسة في البلاد.
في مجال خفض النفقات، فان أولى الخيارات التي يجب العمل عليها هو تقليص النفقات المتضخمة للجهاز الأمني والعسكري والأجهزة البيروقراطية وتقليص عدد الوزارات، وانهاء عمل الهيئات التي لم تثبت جدواها، وتقليص عدد كبار المسؤولين، وسحب امتيازات الشرائح العليا من موظفي القطاع العام.
وفي مجال الايرادات، يجب ضمان ادخال كافة ايرادات الدولة في الميزانية بما فيها الإيرادات الفعلية للنفط وإيرادات ممتلكات، كما أن الوقت أزف للتفكير في وضع نظام ضريبي يدفع بموجبه الغني ضريبة على الدخل والثروة بدل أن يتحمل المواطن البسيط كلفة الرسوم المتصاعدة وضريبة القيمة المضافة، خاصة الثروة من الأراضي التي وُهبت منذ استقلال البلاد، شريطة أن يرافق ذلك تحقيق تطور في النظام النيابي يمنح مجلس النواب صلاحيات تشريعية ورقابية أوسع تسمح بتحقيق مبدأ “لا ضريبة بدون تمثيل” بالتوازي مع محاربة الفساد وإخضاع الفاسدين للمحاسبة والمسائلة وتفعيل تقارير ديوان الرقابة المالية.
أمام هذه الأوضاع المالية التي تنذر بأوضاع خطيرة على أمن البلاد الاقتصادي ومستوى معيشة المواطن، فاننا لا نجد بدا من تكرار الدعوة الى شراكة مجتمعية كاملة بحيث يشارك الجميع في اتخاذ القرارت الصعبة وتحمل المسؤولية على قواعد العدالة والتكافل وديمقراطية القرار.
قوى التيار الوطني الديمقراطي
جمعية التجمع القومي الديمقراطي
جمعية المنبر التقدمي
جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد)