يتميز اقتصاد السوق باحتدام المنافسة بين المؤسسات الاقتصادية في مختلف قطاعات الإنتاج الصناعي والخدمي والتجارة. وهذا يتطلب من كل شركة في أي قطاع من هذه القطاعات، بأن تحافظ على وجودها في السوق، ويتم ذلك عبر الاستمرار في ربحيتها وتنامي حصتها في السوق وبأقل تكلفة ممكنة.
أما إذا تقاعست الشركة عن الابداع وتطوير منتجاتها السلعية، أو الخدمية وعن المثابرة في توظيف كل ما هو جديد في التكنولوجيا والأفكار الخلاقة المبدعة والتسويق النشط، من اجل ان تخلق لنفسها ميزة تنافسية تؤدي الى تفضيل العملاء منتجاتها عن سائر منتجات المؤسسات المنافسة لها في السوق، ومن أجل ضمان استمرار ربحيتها وبقاءها في الصدارة في المنافسة مع مثيلاتها من الشركات، وإذا لم يتم ذلك فإن المؤسسة ستجد نفسها في وقت ما خارج المنافسة ومن ثم خارج السوق، ومن ثم الافلاس.
لكن من واقع الممارسة في اقتصاد السوق، فإن هذه الميزة التنافسية سرعان ما يتم تقليدها من قبل المؤسسات المنافسة الأخرى. وهذا ما يستلزم من الشركة ان تخلق لها ميزة تنافسية لمدة أطول وأكثر استمرارية ((sustaining competitive advantage وعند حديثنا في مجال أدبيات الميزة التنافسية يبرز دور المفكر والكاتب والخبير مايكل بورتر (المحاضر في جامعة هاربر) صاحب نظرية الميزة التنافسية، التي ناقشها في كتابين، والتي تهدف إلى إيجاد “استراتيجية الميزة التنافسية“، حيث يشرح فيها رأيه، كيف يمكن لكل مؤسسة أن تخلق لها ميزة تنافسية خاصة بها تتميز بها عن غيرها من الشركات المنافسة لها في السوق، وتؤدي هذه الميزة لأن تكون منتجات هذه الشركة أكثر جاذبية وتفضيلاً من قبل العملاء، مما ينتج عنه زيادة في أرباحها واستمرار بقائها في صدارة المؤسسات المنافسة لها في السوق. ولتوضيح تلك الميزة التنافسية نقدم للقارئ بعض الأمثلة التوضيحية.
- تاجر يتميز عن غيره من المنافسين في السوق بالمثابرة دائما في سرعة استيراد ملابس حديثة متميزة، متماشية مع آخر ما استجد من الموضات الحديثة الجذابة وتلبي اذواق العملاء.
- مطعم يتميز بتقديم اطباق طعام محددة وبمذاق فريد وشهي بأسعار معقولة، مقارنة بالمطاعم الأخرى المنافسة والمجاورة له في نفس المجمع.
- يتميز أحد بنوك التجزئة الذي يتواجد مع عدد آخر من البنوك التجزئة في نفس الموقع ويمتلك مثل البنوك المنافسة له شبكة من الفروع في جميع المناطق من البلاد، وفي المجمعات ومزودة بأجهزة الصراف الآلي، إلا أنه يتميز عنهم باجتذاب نسبة أعلى من الزبائن، بسبب تميزه باحتساب عمولات الخدمة وأسعار فائدة أقل على القروض والتسهيلات المصرفية الأخرى المصاحبة وسهولة إجراءات المعاملات المصرفية من قبل موظفين أكفاء.
- تتميز إحدى وكالات بيع الأجهزة الكهربائية المنزلية بجودة خدمة الصيانة ما بعد البيع عن مثيلاتها المنافسة في السوق مما جعل الزبائن أكثر تفضيلا لمنتجاتها.
- تتميز إحدى مؤسسات انتاج السيارات بميزة تنافسية أكثر تفضيلا عن مثيلاتها المنافسة في جودة سياراتها الأكثر جاذبية للعملاء وبيعاً في الأسواق المحلية والعالمية مثل شركة تويوتا.
لذلك فإن أي مؤسسة اقتصادية تريد أن تحتفظ لنفسها بميزة تنافسية، فلابد أن تتضافر عوامل داخل المؤسسة تتمثل في نوعية الموارد والقدرات الإدارية الخاصة بالشركة، التي بها تبني عليها الميزة التنافسية التي تؤثر في سهولة أو صعوبة تقليدها. فكلما كانت هذه الموارد يصعب نقلها ويصعب تقليدها، ما يؤدي إلى أن تستمر الميزة التنافسية لمدة أطول. فإن اعتماد الميزة التنافسية على العديد من الموارد والقدرات الخاصة بإدارة الشركة، يجعل من الصعب معرفة أسباب هذه الميزة التنافسية وكيفية تقليدها. اما التأثير الخارجي يتمثل في ان التغير في احتياجات العملاء، أوفي التغيرات في التطبيقات التكنولوجية أو الاقتصادية أو القانونية، كل هذه المتغيرات الخارجية التي ترصدها ادارة الشركة وتعمل على الاستجابة والتكيف معها، والعمل على توظيفها في خلق الميزة التنافسية للمؤسسة لأنها تتمتع بالقدرة السريعة في رد فعلها على التغيرات الخارجية. التاجر الذي يستورد التكنولوجيا الحديثة والمطلوبة في السوق أسرع من غيره، يستطيع خلق ميزة تنافسية له عن طريق سرعة رد فعله على التغير في التكنولوجيا واحتياجات السوق. من هنا تظهر أهمية قدرة المؤسسة على سرعة الاستجابة للمتغيرات الخارجية.
الميزة التنافسية التي تحققها المؤسسة قد تبقى لمدة قصيرة أو قد تبقى لمدة اطول. إذ ان المؤسسات المنافسة الأخرى سرعان ما تبادر الى تقليد تلك الميزة، ما يؤدي الى تلاشي تلك الميزة التنافسية. ونتيجة لذلك يستلزم من المؤسسة صاحبة الميزة التنافسية التي تم تقليدها، ان تعمد الى السعي الجاد لتبني ميزة تنافسية جديدة يكون تقليدها ليس سهلا. إذ يتطلب جهودا وقدرات في الموارد المالية والادارية، وتطبيقات تكنولوجية حديثة، التي قد لا تكون متيسرة لكل شركة منافسة لها في السوق، وبذلك تتمكن الشركة من الاستمرار في الميزة التنافسية لمدة اطول، ونجاحها في الاستمرار في الصدارة وتحقيق الأرباح.
أما عن واقع السوق المحلي فإن بعض المؤسسات التجارية والخدمية، تتفنن وتبرع في تضليل الزبائن وبيعهم بضائع معيوبة أو منتهية الصلاحية. إذ يعمد البعض الى تزوير الصلاحية. وبعض المؤسسات تتبارى في قدرتها على فرض مبالغ فيها مقابل اعمال الصيانة. كذلك المماطلة وتدني المستوى في تقديم الخدمة ما بعد البيع المتوقعة، وسببه الرئيسي هو الجشع والجهل بأدبيات المنافسة والتميز. أما السبب الآخر هو عدم وجود قانون حماية المستهلك التي تحمي مصالح المستهلكين وتجبر المؤسسات أن ترقى وتتطور في أساليب نشاطها الاقتصادي وتتميز في أداءها لجذب العملاء في بيئة تنافسية حرة ومنضبطة، تقوم على ارضاء الزبون، وعلى روح المبادرة والمغامرة المحسوبة، والذي بدوره يسهم في الازدهار الاقتصادي بشكل عام.