أبدت قوى التيار الوطني الديمقراطي قلقها البالغ من الحالة المتردية التي آلت إليها المالية العامة للدولة والتي باتت تنعكس وبشكل متزايد سلباً على الحياة المعيشية للمواطنين، وطالت الإجراءات المتخذة لمواجهة هذه الحالة الحقوق ألأساسية والمكتسبة لهم في ظل مؤشرات واضحة على استمرار التراجع في الأوضاع المالية والاقتصادية لسنوات قادمة وذلك بضوء البيانات والمؤشرات التي حملتها الميزانية المعتمدة للعامين 2017 و2018 التي أعلن عنها بصورة متأخرة جداً لما يقارب على ثمانية شهور، وهو التأخير الذي يعكس بدوره ضيق الخيارات المتوفرة لتعديل أوضاعها:
1. فعلى صعيد الإيرادات والتي بلغت 2.2 مليار دولار في ميزانية 2017، وبالرغم من تدشين حملة الإصلاحات المالية والاقتصادية منذ العام 2014 لا تزال الإيرادات النفطية تمثل 80% من إجمالي الإيرادات بالمقارنة مع 90% وهي النسبة التي ظلت سائدة قبل هذا العام. وهذا الانخفاض في حصة الإيرادات النفطية (محسوبة على أساس 55 دولار للبرميل، وهو سعر لا يوفر أي هامش للمرونة) يعكس في الأساس تراجع حجم هذه الإيرادات نفسها بنسبة 48% وفقاً للأرقام المرصودة في ميزانية العام 2017 وذلك بالمقارنة مع العام 2014، كما يعكس تراجع دعم مبيعات المنتجات النفطية والغاز التي انخفضت من 960 مليون دينار في ميزانية 2014 إلى 35 مليون دينار فقط في ميزانية 2017 بعد رفع الدعم عن تلك المبيعات. ويتضح من هذه المؤشرات إن إجراءات إعادة هيكلة جانب الإيرادات، علاوة على فشلها في تصحيح أوضاع الميزانية فإنها تمت عبر رفع الدعم عن المنتجات النفطية وفرض المزيد من الرسوم وهي جميعها مست بصورة كبيرة الحياة المعيشية للمواطنين.
2. أما في جانب المصروفات والتي بلغت 3.6 مليار دينار في الميزانية المعتمدة للعام 2017، فإنها هي الأخرى تنطوي على مؤشرات خطيرة للحالة العامة للدولة، خاصة فيما يخص بترشيد وتقليص النفقات. فقد ظل حجم المصروفات عصي على الترشيد والتقليص. والانخفاض الذي يسجل في حجمها بالمقارنة مع العام 2014 يعود لتخفيض ميزانية المشاريع بنحو 200 مليون دينار. ومع العلم أيضاً إن ميزانية المشاريع تم تضمينها 50 مليون دينار لكل من العامين 2017 و2018 تمثّل دعم لطيران الخليج في حين خلت قائمة الإيرادات من حصة ممتلكات من الإيرادات والتي كانت تبرر ذلك بإنفاقها على طيران الخليج.
3. ويعكس تفاقم حجم المصروفات المتكررة، بدلاً من ترشيدها، عدد من المؤشرات الخطيرة يتمثل أولها في ارتفاع فوائد الديون الحكومية من نحو 180 مليون دينار عام 2014 إلى 477 مليون دينار عام 2017، ومرشحة للارتفاع مجدداً إلى 553 مليون دينار عام 2017 أي بنحو 373 مليون دينار خلال أربع سنوات، ليس بسبب ارتفاع حجم الدين فحسب، بل أيضاً بسبب ارتفاع أسعار الفائدة العالمية مع توقع ارتفاعها بصورة أكبر خلال الفترة القادمة، إلى جانب تخفيض التصنيف الإئتماني للبحرين. وثاني تلك المؤشرات هي بقاء النفقات العسكرية والأمنية دون تغيير ومساس طوال السنوات السابقة مستحوذة على نحو 45% من مجموع المصاريف المتكررة للوزارات، في حين إن مصاريف الصحة والتعليم وغيرها من الخدمات تم تخفيضها بنسب متفاوتة.
4. في الوقت نفسه أخد حجم الدعم الحكومي المباشر منحى تنازلي منذ العام 2014، وبلغ 774 مليون دينار إلى 545 مليون دينار عام 2018، وسوف يطال هذا التخفيض الدعم المقدم للكهرباء والماء ودعم الأسر المحدودة وعلاوة تحسين مستوى المتقاعدين ودعم برامج الإسكان (علاوة الإيجار). وهي جميعها بنود تمس الحياة المعيشية للمواطنين، حيث سوف تسهم من الناحية الفعلية، خصوصاً مع الزيادات السنوية البسيطة في الرواتب، إلى إفقاره وتدهور مستواه المعيشي.
5. وفي ظل كافة تلك المؤشرات، وبرغم كافة الإجراءات، واصلت المالية العامة تسجيل عجز عند معدلات خطيرة، حيث سيبلغ 1.3 مليار دينار عام 2017 و 1.2 مليار دينار عام 2018 بالمقارنة مع 1.5 مليار دينار لكل من العامين 2015 و 2016، سيتم تغطيته من خلال الاقتراض وهو ما يعني إرتفاع حجم المديونية المباشرة للحكومة لتشكّل نحو 95% من الناتج المحلي الإجمالي. وبالرغم من التطمينات التي تساق لنسبة المديونية المرتفعة، فإنها لا تصمد أمام حقيقة أن الإيرادات الحكومية بوضعها الراهن ستظل عاجزة عن مواكبة مثل هذا الحجم من الديون عدا عن فوائد الديون التي ناهزت نصف مليار دينار وتهدّد باستنزافها جميعاً خلال السنوات القليلة القادمة.
وعلى ضوء ذلك، فإن توجّه الحكومة للاستعانة بصندوق الأجيال الذي أنشأ قبل سنوات قليلة في تغطية العجز هو مؤشر خطير على فشل الحكومة في مواجهة هذا العجز المتفاقم ولا يتوجب السماح به ولا بالمساس بأي صندوق آخر، بل يجب البحث عن بدائل أخرى.
وفي ضوء كافة هذه المؤشرات، فإن قوى التيار الوطني الديمقراطي تشدّد على ضرورة الحفاظ على الحقوق المكتسبة للمواطنين بل وحماية وتحسين مستواهم المعيشي الآخذ بالانحدار بسبب الإجراءات التقشفية ورفع الرسوم بالرغم من شعارات عدم المساس بتلك الحقوق. كما تطالب الحكومة فوراً بمكاشفة المواطنين بحقيقة الأوضاع المالية وما سوف تؤول إليه خلال السنوات القادمة، وأن تبادر لتشكيل مجلس أعلى لإدارة الأوضاع الاقتصادية والمالية في البلاد تشارك فيه نخبة من الخبراء والمجتمع المدني، إلى جانب المسارعة في معالجة الملفات الأمنية والحقوقية والسياسية لحل الأزمة السياسية الراهنة، وهو من شأنه أن يسهم في تقليص العديد من النفقات الأمنية وتحسين السمعة الخارجية للبلاد، إلى جانب تعزيز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الوطني وضخ الاستثمارات لتحريك عجلة نموه.
قوى التيار الوطني الديمقراطي
المنامة
21 مايو 2017