عُرف المجتمع البحريني ومنذ وقت مبكر بأنه نموذج للتعدد السياسي والحزبي والفكري والمجتمعي، وبنتيجة ديناميته المشهود لها من البعيد قبل القريب ظهرت التيارات السياسية والفكرية المختلفة، وفي المقدمة منها اليسارية والقومية، منذ أن كانت بلادنا خاضعة للهيمنة البريطانية، وقد عبرت هذه التيارات عن نفسها بتنظيمات وطنية، متجاوزة للطائفية والعرقية، ناضلت في ظروف سرية قاسية على مدار عقود مقدمة التضحيات من أجل استقلال البحرين وحرية شعبها وسعادته.
وكان السماح بعلنية العمل الحزبي، التي نظمها قانون الجمعيات السياسية، واحدة من أهم مكتسبات المشروع الإصلاحي لجلالة الملك، بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني، فقد أتت هذه الخطوة مستجيبة لما بلغه المجتمع البحريني ونخبه السياسية من وعي، ولما يتوفر عليه المجتمع المدني في البحرين من جاهزية لحياة حزبية كنا نتمنى لها المزيد من التطوير والتعميق، وفاء لشروط الملكية الدستورية التي نص عليها ميثاق العمل الوطني.
وفي كل الأحوال شكَّل قيام الجمعيات السياسية، ومنح العمل الحزبي شرعيته خطوة مهمة ومتقدمة، خاصة وأنها فريدة من نوعها في كل بلدان منطقة الخليج والجزيرة العربية، وهو ما رفع من سمعة البحرين ومكانتها كبلد يؤمن بالتعددية السياسية والحزبية.
لذلك لا يمكننا إلا أن ننظر بأسف لقيام وزارة العدل والشؤون الإسلامية برفع دعوى قضائية بطلب حل جمعية العمل الوطني الديمقراطي”وعد”، التي هي، وفق البيان المشترك الصادر عن المنبر التقدمي والتجمع القومي: مكون رئيسي من مكونات التيار الوطني الديمقراطي في البحرين، وهي امتداد لتاريخ تيار وطني لعب دوراً مهماً في نضال شعب البحرين من أجل الاستقلال الوطني والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وقدم في سبيل ذلك الكثير من التضحيات، كما أنها مكون رئيسي في المشهد السياسي البحريني الراهن.
إننا نتطلع بكل إخلاص إلى أن يجري تغليب منطق الحكمة في التعاطي مع قضية حل جمعية “وعد”، وأن تعيد وزارة العدل النظر في قرارها برفع دعوى إلى القضاء بطلب حلها، اتساقاً مع مبدأ حرية العمل السياسي في البحرين الذي يضمنه ميثاق العمل الوطني والدستور وقانون الجمعيات السياسية، فالبحرين في أمس الحاجة، خاصة في ظرفها الراهن، إلى صوت ودور الجمعيات الوطنية غير القائمة على أسس طائفية أو مذهبية، وجمعية “وعد” جمعية رئيسية من هذه الجمعيات.