لم تحظ ظاهرة العنف ضد المرأة بمثل الاهتمام الذي تحظى به اليوم منذ أن تنبهت هيئة الأمم المتحدة إلى مدى انتشار هذه الظاهرة عالمياً، ومدى خطورة العنف الذي يعد أساس معظم المشاكل المستعصية التي يعاني منها العالم.
إن العنف ضد المرأة سواء في الأسرة أو المجتمع هو ظاهرة منتشرة تتعدى حدود الدخل والطبقة والثقافة ويجب أن يقابل بخطوات جادة تتصدى له وتمنع حدوثه بوصفه السبب الرئيسي لتحجيم حقوق المرأة وتغليف حياتها بالبؤس والشقاء وجعل مكانتها تتدنى إلى قاع السلم الاجتماعي.
لقد بادرت هيئة الأمم المتحدة في نهاية القرن العشرين بتخصيص عقد من السنوات نُظمت فيه حملة عالمية لمكافحة العنف، وُسلطت فيها الأضواء على هذه الظاهرة من كل جوانبها وتمت المطالبة بتكريس كل قوى المجتمع ومنظماته لتحريك كل الإمكانيات المتاحة للقضاء عليه.
وأوصت الأمم المتحدة بضرورة وضع عهود دولية تُفصل ظاهرة العنف ضد المرأة وسبل معالجتها ومكافحتها وإلزام جميع الدول بذلك.
وقد كانت الخطوة المميزة في هذا المسار إعلان فيينا الذي صدر في يونيو عام 1993 عن المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان الذي وافقت عليه 171 دولة من دول العالم, والذي شدد على ضرورة القضاء على ظاهرة العنف ضد المرأة في الحياة الخاصة والعامة والقضاء على جميع أشكال المضايقة الإنسانية والاستغلال والاتجار بالمرأة.
وأكدت مواد الإعلان على حقوق الإنسان وحرياته الأساسية وإن للمرأة حق التمتع بها على قدم المساواة مع الرجل وأهمها: الحق في الحياة – الحق في المساواة – الحق في الحرية والأمن الشخصي- الحق بالتمتع الكامل بحماية القانون – الحق في عدم التعرض لأي شكل من أشكال التمييز- الحق في أعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية – الحق في شروط عمل منصفة ومواتية – الحق في أن تكون في مأمن من التعذيب أو المعاملة السيئة أو العقوبة القاسية أو المهينة.
كما عرضت مواده الأخرى استراتيجيات العمل وفصلت التزامات الأمم المتحدة والدول الأعضاء وعلاقة هذا الإعلان بالقوانين المحلية في كل دولة. وقد كانت الغاية من هذا الإعلان أن يؤدي بمجمله إلى التصدي لظاهرة العنف على مستوى العالم بشكل منهجي وفعال.
ومنذ العام 1995 عندما انعقد في بكين المؤتمر العالمي الرابع للمرأة مختتماً عقداً كاملاً من نشاط عالمي حافل لتنفيذ استراتيجيات نيروبي التطلعية للنهوض بالمرأة وتقييم حصيلة هذا العقد ووضع استراتيجيات عمل لعقد مقبل حتى العام 2005. وعلى الرغم من إقرار اتفاقية “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” السيداو في العام 1979 وإنفاذها في العام 1981, إلا إن العالم لم يشهد تحسناً في أوضاع المرأة في مجال الحماية من العنف بالدرجة المرجوة.
والمحصلة التي تم رصدها ونحن في الربع الأول من القرن 21 إنه لازالت حقوق النساء ومعالجة قضاياهن لا تُشكل أولوية, إلى جانب إن هناك الكثير مما يجب على الأمم المتحدة أن تفعله مع االدول الاعضاء بها, عبر منظماتها المعنية بحقوق الإنسان بشكل عام وبالمرأة بشكل خاص في هذا السبيل.
لقد اهتمت المؤتمرات المتعددة التي عُقدت بقضايا الفتاة القاصر وما يمكن أن يقع عليها من أعمال العنف أو التمييز وتم التركيز على ضرورة حمايتها من الإساءة والاستغلال بكافة صوره, ووضعت احتياجات الأطفال الخاصة على قمة جداول أعمال العديد من المؤتمرات، ومنها الاعتراف بحقوق الأطفال في الحصول على الأولوية عند تخصيص الموارد الوطنية. وحملت الدولة مسؤولية حماية الأطفال من كافة أشكال التمييز القائم على الجنس، إلى حانب الاهتمام الخاص بوضع الفتاة القاصر وحاجتها إلى المساعدة والتنمية بدءاً من الطفولة المبكرة وحتى مرحلة الشباب.
وفي هذا الصدد، وضعت اليونيسيف سياسات خاصة بالمساواة بين الجنسين وتزويد النساء والفتيات بالمعرفة والمهارات، وطالبت بتطوير مؤشرات لا تميز بين الجنسين في جميع البرامج التنموية. وقد ركزت سياسة اليونيسيف على الفتاة القاصر ودفعت المنظمات الوطنية والإقليمية والدولية إلى ضمان فرص متساوية للفتيات لكي يصبحن نساء متعلمات ومنتجات يتمتعن بالصحة والمعرفة.
إلا أنه من الملاحظ أن الانتهاكات تزداد ضد النساء والأطفال وخاصة في المناطق المنكوبة بالنزاعات والحروب، وتكون المرأة والطفلة من أكثر وأول المتعرضين لكافة أشكال العنف الجسدي والنفسي والمعنوي, ولا تؤخذ شكاوى المنظمات المحلية التي تتبنى قضاياهن بالجدية المطلوبة. كما تبقى التزامات الدول بالاتفاقيات الدولية مجرد التزام شكلي فارغ المضمون.
وتشكل أعمال العنف الواقع على المرأة عقبة جدية أمام تحقيق خطط التنمية المستدامة والتي تعتمد العنصر البشري كركيزة اساس. فأعمال العنف تغرس في نفس المرأة الشعور بالخوف وانعدام الأمن والدونية والنكوص، ولا عجب أن نجد أحياناً نساء يقفن ضد حقوقهن ويعملن على تكريس واقع التخلف والتبعية لهن في محيطهن.
إلى جانب خوف المرأة المستمر من التعرض للعنف والذي يمثل عائقاً دائماً أمام قدرتها على المساهمة الفاعلة في العمل والانتاج المجتمعي. كما يحد العنف ضد المرأة من إمكانية استفادة النساء من الفرص المتاحة لهن لتحقيق المساواة القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية في المجتمع.
والعنف الاجتماعي فهو ما تطرحه العادات الاجتماعية المتخلفة والأعراف السائدة من ظلم
واضطهاد وعدم احترام لإنسانية المرأة والتمييز ضدها في فرص العمل والإسكان وحق منح
الجنسية لأطفالها وحرية التعبير وحرية القرار. إضافة إلى الحقوق الناجمة عن العمل من
إجازات وحوافز وترقيات, وتغليف ذلك كله بتفسيرات دينية أغلب القائلين بها والقائمين عليها رجال ذوي نزعات عنصرية متعصبة ودونية للمرأة.
إذا أرادت مجتمعاتنا تبني حقيقي لخطط تنمية مستدامة يتوجب ابتداءً أن تكون هناك حملة وطنية منظمة تركز على التوعية وتسليط الضوء على العنف ضد النساء بوصفه انتهاكاً لحقوق الإنسان وحقوق المرأة كجزء من هذه الحقوق، ودعم المبادئ الإنسانية التي تدعو إلى إنصاف المرأة ومعاملتها معاملة إنسانية وحضارية. والسعي لاستكمال إصدار الشق الثاني من قانون أحكام الأسرة الذي سيسهم في حلحلة الكثير من قضايا النساء العالقة في القضاء الشرعي لسنوات طويلة.
كما يجب السعي لتعديل المناهج الدراسية ليتم من خلالها تأكيد المعارف حول المساواة بين الجنسين وتصحيح النظرة للأدوار التقليدية لكل من الذكور والإناث والتأكيد على التعاون والمشاركة في بناء الأسرة والمجتمع.
إلى جانب تنظيم حملات التوعية بكل السبل المتاحة من وسائل إعلام وحملات تثقيفية وأنشطة المنظمات المجتمع المدني لكشف وتوضيح الآثار الضارة للعنف وعواقبه الوخيمة على الشخصية الإنسانية وعلى الأسرة وسعادتها وعلى المجتمع عموماً من حيث هدمه لطاقات أفراده الإنتاجية. ونشر الوعي حول كيفية التواصل دون عنف وحل المشاكل بشكل علمي والتأكيد على أهمية الحوار واحترام الآخر كموقف حضاري واع ومتفهم.
إن التصدي للعنف يقتضي القيام بالأبحاث المحكمة ووضع الإحصاءات وجمع البيانات (حيث لا زالت الدراسات قاصرة والإحصاءات غير دقيقة حتى الآن) لمعرفة خصوصيات العنف في المجتمع، ومدى انتشاره واشكاله المختلفة وخطورتها وتبعاتها، وخصوصاً في مجال العنف الأسري ونشر هذه الأبحاث والإحصاءات.
ويجب تقديم المساعدات والدعم لمنظمات المجتمع المدني، وخاصة تلك التي بدأت خدمات المساندة والدعم للمرأة كي تتمكن من تعزيز وإيصال خدماتها لعدد أكبر من النساء. والمطالبة بتوفير مكاتب إرشاد أسري تظم مختصين وذات صلاحيات واسعة, تمكنها من مساعدة النساء والأطفال ضحايا العنف والتمييز الأسري.
إلى جانب القيام بحملات لزيادة الوعي بمسألة العنف ضد المرأة والمساهمة في القضاء عليه بتجنيد النساء أنفسهم من كل شرائح المجتمع واعتبارها قضية عامة تسيء إلى الفرد والمجتمع وتعطل تنميته وتحضره وتعطل طاقاته الفاعلة.