الشأن العام مصطلح يطلق على مختلف المجالات المتعلقة بحياة المجتمع في عمومه، الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية والثقافية. بكلمة أخرى أو بتبسيط أكثر هي قضايا الشارع وشئون عموم الناس. وتحمل المشاركة في أي مجال من مجالات الشأن العام قيمة أخلاقية ووطنية كونها تنطوي على تقديم رأي أو جهد أو مال يصب في مجرى تنمية المجتمع ويضمن استدامة جريانه. ويدور حديثنا هنا حول مشاركة المرأة البحرينية التي من نافلة القول التأكيد على دورها التاريخي في حقول الشأن العام البحريني، بل ودورها الريادي في غير مجال من مجالاته على مدى النصف الثاني من القرن العشرين.
ليس من الوارد الحديث عن دور للمرأة ككتلة واحدة متجانسة، فالمجتمع النسائي ينقسم لفئات نسائية تتمايز في مستوى وعيها العام وثقافتها ودرجة تعليمها وموقعها في الحياة. ولتلك التقسيمات تأثير مباشر على علاقة المرأة بالشأن العام إيجاباً أو سلباً. هناك فئة نسائية تتمتع بمستوى من الوعي العام الذي تراكم عبر السنوات إما بتأثير الجو العائلي المنفتح على مجريات حياة المجتمع وقضاياه وهمومه. أو بتأثير الاحتكاك المباشر لفئات من الشابات ممن واصلن تعليمهن بالخارج مع بيئات منفتحة حياتياً وثقافياً ما أتاح لهن بلورة مستوى من الوعي، وأوجد دوافع التفاعل مع قضايا الشأن العام والمشاركة فيها. وهناك فئات وإن كانت قليلة من اشتغلت على التطوير الذاتي لوعيها بالاحتكاك والاطلاع، فكوَّنت مخزوناً ثقافياً أسفر عن اهتمام تلقائي بالقضايا المجتمعية بل والانخراط فيها. كما كان للقوى السياسية الوطنية ذات الموقف المتبني لتعزيز دور المرأة والداعم لمشاركتها في مسيرة تحديث وتقدم المجتمع أثر كبير في بناء عناصر نسائية واعية، مثقفة ومسيَّسة. على صعيد آخر، سمح التخصص الأكاديمي والالتحاق بوظائف قيادية وشبه قيادية باندفاع فئة نسائية نحو الاهتمام بقضايا الشأن العام ذات العلاقة بحقل الوظيفة والمنصب اللذين تشغلهما هذه أو تلك من النساء. كما سمحت طبيعة عائلات الوفرة المالية ذات النشاط التجاري المتلازم في الغالب مع طابع الحياة الاجتماعية المنفتحة المتمدنة التي تتبنى عناصر التحضر والعصرنة بشكل تلقائي.
إضافة لما سبق ذكره، جاءت الألفية الثالثة بمحفزات مجتمعية كان من المؤمل أن تفعل فعلها في تعزيز علاقة عموم النساء بالشأن العام وتفعيل مشاركتهن الايجابية في قضاياه. استجدَّ وضعٌ قانونيٌ للمرأة في دستور المملكة ينص على حقها في المشاركة في الشأن العام. تنص المادة الأولى من دستور المملكة الصادر سنة 2002 على أن:” للمواطنين، رجالاً ونساء، حق المشاركة في الشئون العامة والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشيح”. وتعزَّز ذلك بما صدر من تشريعات واتخذ من إجراءات وخطوات عملية باتجاه التمكين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحقوقي للمرأة البحرينية. بُذلت جهود رسمية في المؤسسات الحكومية المعنية وعلى صعيد المجلس الأعلى للمرأة للدفع نحو الأمام بمشاركة المرأة في الشأن العام. على صعيد آخر، كان للجهود الأهلية في مؤسسات المجتمع المدني والعمل النسائي دورٌ في دفع المرأة للتفاعل مع الشأن العام والمشاركة فيه.
هنا لا بد من الاعتراف أنه – وبرغم ما تحقق على الأرض من استحقاقات للمرأة والمجتمع البحريني- فلا مفر من حقيقة أننا ما زلنا نحيا في مجتمع ذكوري. لم تزل المرأة البحرينية – في إطار فئات واسعة- تحيا حياة للرجل في غالب جوانبها الكلمة الفصل والتأثير الأقوى سواء في اتخاذ قرار حر أو في تكوين رأي أو في تبني موقف. لم تزل المرأة ترى فيما يراه الرجل الرأي السديد والكلمة الفصل وتتبنى موقفاً تابعاً للرجل فيما يتعلق بقضايا الشأن العام على وجه الخصوص. يحدث ذلك حتى وإن تفوقت المرأة على زوجها أو رجل عائلتها في مستوى الوعي أو الدرجة العلمية أو المنصب الوظيفي.
بالإضافة لمعوقات المجتمع الذكوري، فإننا اليوم وفي أتون الوضع المجتمعي المتأزم وتصاعد إشكاليات الشأن السياسي واحتلالها المكانة الأبرز في قضايا الشأن العام. وفي ظل ما جرى بشكل فعلي وخطير من طأفنة للمجتمع، نلمس تراجع الصورة المشرقة التي رسمتها المحفزات التي أنبأتنا بأن أجمل أيام المرأة البحرينية قادمة. تعزَّز دور التيارات الطائفية ليس في التأثير على مجريات الشأن العام فحسب، بل وفي تشكيل موقف سلبي للمرأة من مسائل تتعلق حتى بصلب حقوقها الإنسانية. ومع انغلاق أفق انفراجات ملموسة على غير صعيد في الشأن المجتمعي، ومع تفاقم إشكالات سياسية ضاعفت من معاناة قطاع واسع من النساء، لم تعد المحفزات الرسمية والمجتمعية المنحازة لحقوق المرأة تشكِّل بريقاً جاذباً لعموم النساء يشحذ وعياً أصيلاً ومشاركة فاعلة. غدا الانكفاء نحو الطائفة ومرجعياتها غالباً في وعي وفعل فئات واسعة من النساء في كافة البيئات. أصبحت سياسات التأزيم الطائفي مقصلة لكل ما دُشِّن على مدى ما مر من سنوات من خطط وبرامج تمكين المرأة في التعاطي مع الحقوق ومع قضايا الشأن العام. في العموم غدا التأزيم الطائفي يستلُّ – في غفلة منا- حتى مفردات بناء المجتمع المدني الحديث التي ناضل من أجلها الإنسان البحريني وبشرت بها طروحات المشروع الإصلاحي في جهة حقوق وتمكين المرأة على وجه الخصوص.
يجرنا الحديث في هذا الأمر إلى الدور المحوري الذي باتت تلعبه وسائل التواصل الاجتماعي في مستويات قرب أو بعد المرأة البحرينية من الاهتمام بقضايا الشأن العام والانخراط فيها. لا بد من الإقرار أن الوسائل المذكورة بانغماسها الراهن فيما هو منغلق محجم لدور المرأة، وفيما هو طائفي تحريضي معزز لانكفاء المرأة في حدود وأطر مرجعياتها الطائفية قد أعاقت نمو وعيها ومشاركتها الحرة الفاعلة في الشأن المجتمعي. لم تشكل وسائل التواصل الاجتماعي عنصر وعي محفز للمرأة لتفاعل ايجابي نحو تعزيز الحقوق والمشاركة إلا فيما ندر. الأمر بتقديرنا يحتاج لوقفات جادة على الصعيد الرسمي وعلى الصعد الأهلية المعنية كي تعود عجلة وعي ودور المرأة البحرينية للتقدم.