منذ الثمانينات والجمعيات النسائية والحقوقية التقدمية تسعى لإصدار قانون عصري موحد للأحوال الشخصية، وفي وقت لاحق تشكلت لجنة الأحوال الشخصية والتي تضم الجمعيات النسائية والحقوقية وشخصيات وطنية متنورة.
ومنذ تأسيسها لم تدعُ تلك اللجنة في بياناتها ومواقفها لإصدار قانونين منفصلين، واحدٍ لكل طائفة على حدة، استشعاراً لخطورة هذه الخطوة في طأفنة المجتمع، وتكريس الطائفية المدمرة للنسيج المجتمعي فكنا نطالب دائماً بقانون وطني واحد جامع لجميع فئات الشعب.
ولقد استمر عمل اللجنة إلى ما بعد المشروع الاصلاحي لجلالة الملك، وتشكيل المجلس الوطني بشقيه “مجلس النواب – مجلس الشورى”، ففي عامي 2008-2005 قدمت الحكومة مشروع قانون موحد لأحكام الاسرة للبرلمان لمناقشته والتصديق عليه، ولكن الحكومة اضطرت لسحبه من البرلمان مرتين إثر الضغوطات المتواصلة من قبل رجال الدين من الطائفة الشيعية بحجج كثيرة غير منطقية – لا دستورية ولا منطقية – وما صاحب ذلك في تلك الفترة من تأجيج في الشارع، بإصدار فتاوي، والتشويه المتعمد لأهمية اصدار مثل هذا القانون، وجرى ترويج مزاعم وخزعبلات بأن الأنساب ستختلط والأعراض ستنتهك لو صدر هذا القانون من السلطة التشريعية.
جاء في دراسة من إعداد الدكتورة ليلى عبدالوهاب حول قوانين الأحوال الشخصية العربية أمام المحكمة العربية الدائمة لمناهضة العنف ضد النساء التي عقدت في بيروت في مارس 1998: “حقيقة الأمر أن الأيدلوجية الدينية السائدة لا تكمن خطورتها فقط في مجرد تشكيل الوعي الاجتماعي العام والخاص حول دور المرأة ومعاناتها في الأسرة و المجتمع، بل تكمن الخطورة في كونها الأيدولوجية التي تقوم عليها القوانين والتشريعات الخاصة بالأسرة والأحوال الشخصية”.
هنا تصبح الآراء والمفاهيم التقليدية الجامدة حول المرأة عندما تتحول لتكون تشريعاً وقانوناً ملزماً للنساء، هنا تأتي خطورة المرجعية الدينية في هيمنتها وسلبها لوعي المجتمع وخاصة وعي المرأة.
هذا الموقف المتشنج حذا بالحكومة لتقديم مشروع قانون لأحكام الأسرة للطائفة السنية فقط عام 2009، وتطبيق أحكامه في المحاكم الشرعية السنية، وذلك بتبرير بأنه ليس هناك توافق مجتمعي لإصدار قانون موحد لأحكام الاسرة!!
أيجوز الحديث عن التوافق المجتمعي في تشريع واصدار قانون مهم و جوهري يمس شريحة كبيرة من المجتمع؟
هل نقوم بتنظيم استفتاء لنسائنا من الطائفة الشيعية فقط لنأخذ رأيهن في إصدار قانون يحمي المرأة ويساندها ويحفظ كرامتها ويدافع عن إنسانيتها كامرأة مظلومة مسلوبة الارادة، كيف نأتي بالتوافق لنساء ملتزمات بمرجعية دينية هي في الأساس رافضة لإصدار قانون لأحكام الاسرة، فطالما إرادة الوعي مسلوبة فلن يكون هناك توافق مجتمعي لإصدار القانون؟
إن الطريق الوحيد لتفادي هذه الإشكالية هي النية الصادقة من طرفين: الدولة من جهة، ورجال دين معتدلين من الطائفة الشيعية، من جهة أخرى لمناقشة ووضع مشروع قانون لأحكام الاسرة، وطرحه على السلطة التشريعية. وكذلك ثمة حاجة لبذل جهود كبيرة من قبل الحركة النسائية ممثلة في المجلس الأعلى والاتحاد النسائي، وكافة القوى الوطنية والقطاعات النسائية في الجمعيات السياسية لخلق قوى ضاغطة على السلطة التشريعية للإسراع في إصدار قانون احكام الأسرة – الشق الثاني.
نأمل أن تتكاتف كل الجهود في المطالبة بالإسراع في اصدار القانون، وعدم تضييع الوقت، بالتلكؤ في ذلك، خاصة وأن مملكة البحرين مطالبة وملزمة في تقريرها القادم للجنة المرأة الأممية التابعة لهيئة الامم المتحدة بشرح التزامها ببنود إتفاقية القضاء عن كافة أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو”. فإنضمام مملكة البحرين لاتفاقية “سيداو” هو حدث مهم، حيث أصبحت هذه الاتفاقية جزء من التشريع الوطني، وأصبح لها قوة القانون بعد أن صادقت عليها مملكة البحرين وتم نشرها في الجريدة الرسمية.
وليس الأمر مجرد التزام قانوني من جانب بلادنا تجاه الاتفاقيات الدولية، وإنما هو ضرورة دستورية وتشريعية وأخلاقية وإنسانية، على الدولة الاستجابة لها تجاه الشريحة الواسعة من الشعب التي تشكلها النساء الشريكات في التنمية والبناء والأسرة.