أعني بذلك الأديبة العراقية لُطفية الدليمي التي تعيش منذ سنوات في العاصمة الأردنية عمان، التي وجدت فيها ملاذاً كي تواصل إبداعها، بعيداً عن جحيم العراق المبتلى بالاحتلالات المختلفة وبحروب الطوائف وبهمجية «الدواعش» ومن كان على صورتهم.
في جعبة لُطفية الدليمي نحو 25 مؤلَفاً بين الرواية والمجموعات القصصية والمذكرات والسير، ونحو عشرة كتب مهمة ترجمتها عن الإنجليزية، فضلاً عن نصوص في الدراما، وأبحاث ودراسات في الأدب والأسطورة والتاريخ.
ولأنها ملهمة، فقد اختارت أن تترجم لنا، مؤخراً، كتاباً ملهماً لرجل ملهم بحق، هو عالم الفيزياء الهندي المعروف زين العابدين عبدالكلام، الذي إليه يعود الكثير من الفضل في تطوير البرنامج النووي ومنظومة الصواريخ في بلده، والذي اختير، تقديراً لمكانته الكبيرة بين أبناء شعبه، لأن يكون رئيساً للهند في الفترة بين 2002 و2007، وتوفي في يوليو/ تموز 2015.
عنوان الكتاب هو «رحلتي»، مع عنوان شارح: «تحويل الأحلام إلى أفعال»، وهو عبارة عن سيرة يلامس فيها المؤلف جوانب رهيفة وإنسانية في حياته الحافلة، مذ كان طفلاً في بلدة هندية هانئة، ولد في عائلة فقيرة، ما اضطره أن يقوم ببيع الصحف وهو لم يزل في الثامنة من عمره، حيث كان يصحو في فجر كل يوم لإنجاز تلك المهمة قبل أن يتوجه لدروس تعلم القرآن، ومن بعدها يلتحق بصفه المدرسي.
نشأ عبدالكلام في بيئة من التسامح الديني والطائفي وهو أمر سآتي عليه في حديث لاحق، حيث أظهر وهو صبي صغير علامات النبوغ والشغف بالمعرفة، وقد انعكس ذلك في تكوين شخصيته الرحبة، الزاهدة، الدؤوبة، المحبة للعمل والمتفانية فيه، من أجل وطنه وشعبه.
هذا كتاب أنصح كل شاب وشابة في عالمنا العربي بقراءته، ولا أستثني من هذه النصيحة من لم يعودوا شباناً، فهو يكتنز تجربة إنسانية عميقة تعلمنا كيف نبلغ النجاح، لا على الصعيد الفردي المحض فقط، وإنما على الصعيد الجمعي أيضاً.
وأكثر من ذلك فهو دليل لتحدي الفشل، وعدم الاستسلام أمامه، فلكي يبلغ عبدالكلام ما بلغه من شأو مرّ في حياته بتجارب كان يمكن لها أن تثنيه عن مواصلة طموحاته، داعياً إيانا أن نتعلّم كيف نحوّل الفشل إلى نجاح لاحق.
نحن إزاء رجل نجح في أن يجعل للأحلام أجنحة، عاشق للكتب، التي يعتبرها أصدقاءه المفضلين، وإزاء شاعر مرهف وإنسان محب للموسيقى ومفعم بالحكمة.