كما بينا في الحلقة السابقة بأن تحول اللجنة العامة لعمال البحرين إلى اتحاد عام لعمال البحرين في 17 يوليو 2002 جاء خارج القانون الذي يحكم عملها والنظام الأساسي لها، ومخالفا لكل الأعراف والمفاهيم النقابية التي تبنتها منظمة العمل الدولية وأصدرتها في اتفاقياتها المختلفة، والسائدة في مختلف الدساتير والقوانين النقابية والعمالية العربية والعالمية، وجاء خارج الإطار الذي وضعته اجتماعات رؤساء اللجان العمالية ورؤساء النقابات العمالية التي تشكلت بعد صدور قانون النقابات العمالية في 24 سبتمبر 2002، الإطار الذي كان يهدف إلى وضع التصورات التي تتوافق مع ظروفنا في البحرين لتأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وكان الإعلان عن التحول إلى اتحاد عام عمال البحرين صدمة للقيادات في الساحة العمالية والنقابية فاقمت من حدة الخلافات والصراعات فيها.
آلية تشكيل اللجنة التحضيرية وتفاقم الخلافات مجددا حولها
وما أن بدأت الاتصالات واللقاءات فيما بين النقابيين أنفسهم، وبينهم وبين المهتمين بالعمل النقابي والتشاور مع بعض السياسيين وبعض ممثلي الاتحادات العربية، التي كانت تهدف إلى احتواء الحدث والحد من اتساعه وانعكاسه سلبا على الحراك النقابي وللوصول إلى التفاهم ووضع رؤية متفق عليها من قبل جميع الأطراف، ولتفويت الفرصة على الأطراف صاحبة المصلحة في عدم تلاحم الصف العمالي والنقابي، بل مصلحتها في تعميق الخلافات بينهم، ومع بروز بوادر الوصول إلى تفاهمات بين مختلف الأطراف ومع استبشار الجميع بعودة الهدوء إلى الساحة النقابية بسبب اللقاءات التي تمت لاحتواء الخلافات، فوجئ الجميع بقرار الاتحاد العام لعمال البحرين بفرض مبدأ التعيين في آلية تشكيل اللجنة التحضيرية لتأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين.
حدث ذلك أثناء عقد لجنة رؤساء النقابات العمالية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2003، اجتماعا في مقر الاتحاد العام لعمال البحرين، ناقشت فيه الإجراءات التحضيرية لعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، حين قدمت نقابة “ألبا” مشروع انتخاب اللجنة التحضيرية للمؤتمر على أن يتم انتخاب جميع أعضاء اللجنة التحضيرية بالاقتراع السري في مؤتمر تحضيري يحضره جميع أعضاء مجالس إدارات النقابات العمالية وهي الآلية المعمول بها وفق المعايير الدولية في مختلف مؤسسات المجتمع المدني؛ التنظيمات النقابية، الجمعيات والنقابات المهنية، الأحزاب والتنظيمات السياسية، الاتحادات الطلابية وغيرها من المنظمات.
وحين طرح هذا المقترح في الاجتماع للتصويت عليه سقط بسبب عدم حصوله على الأصوات اللازمة، بينما أصر رؤساء 60 في المئة من النقابات (واللجان العمالية ) الأخرى وبحكم الغالبية أن يكون نصف أعضاء اللجنة بالتعيين من قبل الإتحاد العام لعمال البحرين والنصف الآخر يتم انتخابهم من قبل لجنة رؤساء النقابات. (وفق عدد صحيفة الوسط الصادر بتاريخ 9 أكتوبر 2003 – هاني الفردان)
وهكذا وباسم الديمقراطية والأغلبية تمَّ تمرير مبدأ غير ديمقراطي من أجل تشكيل اللجنة التحضيرية للاستحواذ عليها من قبل الاتحاد العام ومن خلفهم!! والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل هذه الآلية في تشكيل اللجنة التحضيرية هي آلية نقابية وديمقراطية صحيحة كما يدعي أصحابها؟
للإيجابة على هذا السؤال نورد الملاحظات التالية حول لجنة رؤساء النقابات:
أولا: لجنة رؤساء النقابات العمالية تشكلت بمبادرة من قبل رؤساء النقابات العمالية وذلك للتشاور فيما بينهم حول سبل تطوير عمل النقابات العمالية التي تشكلت بعد صدور قانون النقابات العمالية، وسبل استقطاب العمال حولها وتطوير العضوية فيها.
ثانيا: لجنة رؤساء النقابات تفتقد لهيكل تنظيمي ونظام أساسي ولوائح داخلية تسير عملها مقرة من قبل جمعياتها العمومية، كما أن النقابات العمالية ليست منظمة للجنة رؤساء النقابات كأعضاء ولا تدفع الاشتراكات مما يجعل دور لجنة رؤوساء النقابات ينحصر في التشاور وتبادل الأراء فيما يتعلق بالعمل النقابي وليست مؤهلة لإتخاذ قرارات مصيرية يتوقف عليها مستقبل العمل النقابي برمته كما أن القرارات التي تتخذ في هذه اللجنة ليست ملزمة للنقابات وهو ما يستدعي لاتخاذ قرارات مصيرية الرجوع إلى الجمعيات العمومية للنقابات.
ثالثا: لكي يتم تشكيل لجنة تحضيرية يتطلب الأمر أن تجتمع مجالس إدارات النقابات المنتخبة من قبل جمعياتها العمومية في مؤتمر تحضريري يتم فيه الإعلان عن فتح باب الترشح لتشكيل اللجنة التحضيرية، ومن خلال الاقتراع السري يتم انتخاب أعضائها وليس لجنة رؤساء النقابات.
رابعا: تكلف اللجنة التحضيرية من المؤتمر التحضيري بإعداد النظام الأساسي واللوائح المنظمة للمؤتمر التأسيسي والدعوة له، وهو ما ينفي أي دور للجنة العامة لعمال البحرين والاتحاد العام بعد تحولها لتأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين وفق قانون النقابات العمالية.
خامسا: للأسباب أعلاه لم يكن رؤساء النقابات يرون أهمية وضرورة الإسراع في تشكيل الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين الذي يتطلب كأولويات وكأرضية صلبة استكمال تشكيل أغلبية النقابات العمالية في مختلف المنشآت والقطاعات الاقتصادية وتقوية مواقعها وزيادة عضويتها، وهو الأساس لتشكيل اتحاد نقابي قوي وصلب ويستند إلى قاعدة عمالية قوية ومتماسكة، حتى لو تطلب ذلك وقت طويل.
إذا نخلص مما سبق أن بعض الأطراف كانت متعجلة في تأسيس الاتحاد النقابي وهي في سبيل ذلك كانت تحاول جاهدة إرباك الحركة النقابية الوليدة وإشغالها بأمور لا تستدعيها الظروف بشكل عاجل، فالفترة بين قرار تحول اللجنة العامة لعمال البحرين إلى الاتحاد العام لعمال البحرين وتشكيل اللجنة التحضيرية لا تتجاوز الشهرين والنصف، في حين كانت الحركة النقابية لديها متسع من الوقت للتخطيط لتأسيس الاتحاد النقابي وبآليات ديمقراطية ووفق المعايير الدولية.
وبسبب تشكيل اللجنة التحضيرية وبالطريقة التي أوردناها تعمقت الخلافات بين النقابات العمالية وقياداتها وبدأت تغطي هذه الخلافات صفحات الصحف، نورد بعض منها:
“كشف رئيس نقابة العمال في شركة ألمنيوم البحرين (ألبا) إبراهيم الدمستاني «سعي عدد من النقابات العمالية خلال الأيام المقبلة إلى عقد لقاء تشاوري بينها لمناقشة الخلاف القائم بين النقابات العمالية بشأن آلية تشكيل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، وذلك لتصحيح الأمور والتوجه لمشاركة الكوادر النقابية في صوغ النظام الأساسي الذي يلبي طموح جميع الأطراف.
وأكد أنه «إذا لم يصل الطرفان إلى صيغة توافقية وإيجاد آلية يرتضيانها، ستلجأ هذه النقابات إلى تشكيل اتحاد آخر لنقابات عمال البحرين مكون من عدد من النقابات اتفقت على ذلك». ومن جهته، أشار أمين سر نقابة (ألبا) محمد علي مكي إلى أن واحدة من «مآسي» هذه الفترة أن هناك شقا في العمل النقابي على مستوى القيادات النقابية، وأن يكون سبب الخلاف بعيدا كل البعد عن الحركة العمالية، من خلال خلافات شخصية أو توجهات سياسية معينة أحدثت هذا الشق” (خلافات «اللجنة التحضيرية» تنذر بانشقاق النقابات العمالية الوسط – هاني الفردان 14 أكتوبر 2003)
وفي مقال لهشام سعيد بعد أن أكد على عدم صحة الآلية التي اعتمدت في تشكيل اللجنة التحضيرية يؤكد على أن “مبدأ التعيين في المؤسسات المهنية والجماهيرية، مرفوض بالأساس لأنه لا يعبر عن قناعات حرة في الاختيار وهو يعارض الأسس الديمقراطية في العمل النقابي ويؤدي إلى تكريس ظاهرة الدكتاتورية والفردية في النقابات، مثلما هو مرفوض مبدأ التعيين كبديل لممارسة الإنسان لحقوقه السياسية والدستورية، إن المرء يتسائل كيف تشكل لجنة تحضيرية نصف أعضائها بالتعيين والجزء الآخر بالانتخاب، وأن يكرس هذا العرف في العمل النقابي والعمالي سوف يكون ظاهرة خطيرة يؤسس لمفاهيم نقابية خاطئة، تلغي مبدأ الانتخاب من القاعدة إلى القمة، وتفرض آراء ومفاهيم غير نقابية، تفكك وتمزق وتشرذم القواعد العمالية بدلاً من توحيد جهودهم وتطوير وعيهم النقابي (من مقال أهمية النقابات العمالية يكمن في وجود وعي نقابي متطور – هشام سعيد 15/11/2003)
وما زاد من حدة الخلافات بين القيادات النقابية بعد تشكيل اللجنة التحضيرية بالآلية التي أوردناها أعلاه، قرار اللجنة التحضيرية في أحد اجتماعاتها باعتبار أعضاء مجلس إدارة الاتحاد العام (اللجنة العامة سابقا) من ضمن مندوبي المؤتمر التأسيسي حالهم حال مندوبي النقابات العمالية، وهو ما يؤكد رأي رؤساء النقابات أن اللجنة التحضيرية ومن ورائها بعض الأطراف يحاولون الهيمنة على مجريات المؤتمر التأسيسي والاستيلاء على الأمانة العامة، مما دفع برؤساء النقابات إلى الوقوف وبصلابة ضد هذا التوجه إلى أن تراجعت اللجنة التحضيرية عن قرارها في 15 ديسمبر 2003.
وحول هذا الموضوع أوردت صحيفة الوسط العدد 467، الأربعاء 17 ديسمبر 2003 الخبر التالي:
تراجعت اللجنة التحضيرية للإتحاد العام لنقابات عمال البحرين عن بعض البنود التي تضمنتها اللائحة الخاصة بالمؤتمر التأسيسي في اللقاء التحاوري الثالث مساء أمس الأول، وقررت العدول عن فكرة تمثيل الاتحاد العام لعمال البحرين في المؤتمر العام لنقابات عمال البحرين إلى جانب مندوبي النقابات العمالية بشقيها الحكومي والخاص كما أسفرت الحوارات عن إعطاء النقابات الحرية في اختيار مندوبيها سواء من مجلس الإدارة أو من الجمعيات العمومية، وإلغاء دفع اشتراك النقابات لثلاثة أشهر مقدما.
والحق أن الأيام التي تلت هذه التطورات بينت أن اللجنة التحضيرية كانت تبيت للكثير من القرارات التي تعتزم تمريرها خلال فترة قصيرة، وقبل أن تبرز نقابات عمالية جديدة لا ترتهن لتوجيهاتها وهو ما يفسر لهاثها من أجل الانتهاء من تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بأسرع ما يمكن، ومن ضمن القرارات التي تعكس هذا التخبط قرارها بإعطاء النقابات العمالية الحرية في اختيار مندوبيها سواء من مجلس الإدارة أو من الجمعيات العمومية الذي كان محل خلاف بين اللجنة والنقابات، فقد رجعت عن قرارها هذا وفرضت مجددا بأن يكون مندوبي النقابات من مجالس إدارات النقابات، مما دفع ببعض النقابات العمالية للاعتراض على هذا القرار ومخاطبة اللجنة التحضيرية برسالة تضمنت التالي:
“الرسالة الموجهة من اللجنة التحضيرية للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين بتاريخ 20 ديسمبر 2003 إلى روؤساء النقابات والمتعلقة باختيار مندوبي النقابات للمؤتمر التأسيسي، حسمت النقاش الدائر على الساحة النقابية وأوكلت هذه المهمة لمجالس إدارات النقابات التي يتعين عليهم اختيار المندوبين وفي غضون سبعة يام من تاريخه حيث أن آخر موعد لاستلام أسماء المندوبين هو السابع والعشرين من شهر ديسمبر الجاري 2003.
كنا نأمل أن يتم تحديد المندوبين للمؤتمر بالآليات النقابية الصحيحة والمتعارف عليها دوليا وبديمقراطية تتيح للقاعدة العمالية أن تنتخب من تراه أهلا للثقة في تحمل المسئولية التاريخية وقادرا على تمثيلهم في تأسيس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين خير تمثيل وإيصال توصياتهم ومقترحاتهم بالشكل الذي يريدون أن يكون عليه إتحادهم القادم، ولكن صياغة الرسالة المذكورة التي جاءت قاطعة ونهائية حين أوكلت هذه المهمة لمجلس إدارة النقابة وحصر المدة في سبعة أيام لم تترك للنقابات خيار غير أن تلتزم مرغمة بما جاء في الرسالة وذلك لعدم تخلفها عن تقديم أسماء المندوبين وبالتالي حرمانها من المشاركة في المؤتمر وتجنبا لتحملها مسئولية أي تأخير أو إرباك لسير إجراءات التأسيس.
إننا مع إلتزامنا بما جاء في الرسالة المذكورة وحرصاً منا على وحدة الحركة النقابية ولإنجاح المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام لنقابات عمال البحرين نؤكد على أن هذه الآلية التي اعتمدتها اللجنة التحضيرية في اختيار المندوبين لا تستند إلى الأسس والمباديء النقابية والديمقراطية المعمول بها في مختلف دول العالم وأنها تهضم حق القاعدة العمالية في المشاركة الفعالة في تأسيس اتحادهم من خلال حقهم في انتخاب المندوبين انتخابا حرا مباشرا وعليه نرفع لكم هذه الرسالة مسجلين فيها تحفظنا على عدم صحة الإجراءات التي اعتمدتها اللجنة التحضيرية.
صادر عن مجموعة من النقابات العمالية 27 ديسمبر 2003″
لقد خلقت تلك القرارات المتعددة والمتسارعة والمتناقضة في بعض الأحيان، التي أصدرتها اللجنة التحضيرية للنقابات العمالية وخلال فترة قصيرة لدي القيادات النقابية والمهتمين بالشأن العمالي قناعة بأن وراء الكواليس توجد حركة محمومة للهيمنة على الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين القادم، وأن العملية يجب أن تتم مهما كلف الأمر حتى لو كان ما تسفر عنه لا يرتقي إلى طموح العمال ولا يصب في صالحهم، وحتى لو أدى ذلك إلى تشكيل كيان اتحاد نقابي هزيل غير جامع لمختلف النقابات العمالية في مختلف المؤسسات والقطاعات الاقتصادية المختلفة وضرب الوحدة العمالية.
من هنا ومنذ 20 ديسمبر 2003 بدأت تتشكل مجموعة من القيادات النقابية وتتكثف اجتماعاتها ولقاءاتها لتدارس كل هذه المستجدات والسبل للخروج منها بتشكيل الاتحاد النقابي بأقل الخسائر، وتدريجيا ومن خلال هذه اللقاءات بدأت تظهر ملامح كتلة نقابية يوحد أعضائها الهم النقابي والمصلحة العمالية والتاريخ النضالي لعمال البحرين خلال العقود السبع الماضية، وحرصها على إبراز أن ما يحدث ما هو إلا كبوة في مسار الحركة العمالية والنقابية.