خلال الأسابيع القليلة الماضية، نظم المنبر التقدمي سلسلة من الفعاليات المتتالية ضمن ملتقى التقدمي الأسبوعي، تمحورت جلها حول اهمية وبواعث وانعكاسات ومرامي الوحدة الوطنية، يأتي ذلك ضمن برنامج مدروس ومعد بعناية من قبل قيادة التقدمي للتعاطي مع هذه القضية واعادة الاعتبار لها باعتبارها حجر الزاوية في أي عمل وطني اتجهت او تتجه القوى الوطنية والسياسية نحوه، مستفيدين من تجربتنا الطويلة كتنظيم طالما اهتم وبجدية بأهمية هذا المنحى الوطني الهام على مجمل الحياة السياسية والاجتماعية في البلاد، نظرا لما لها من تجليات وانعكاسات على طبيعة المطالب السياسية والمعيشية وسبل تحقيقها.
ولأنها قضية تحتل مكانا مهما ليس بالنسبة فقط لطبيعة وقوة المطالب والشعارات المرفوعة والمحقة التي خبرها شعبنا جيدا منذ مطلع العشرينات على الأقل وصولا لما نعايشه من واقع سياسي واجتماعي يبعث على القلق، بل هي قضية في حقيقة الأمر تفرض علينا الانتباه جيدا لجملة مؤشرات ومفاهيم، ربما نهملها احيانا دون قصد في زحمة العمل السياسي اليومي، حين تتداخل القضايا والملفات ومعها ارتدادات ما يحدث في الاقليم المضطرب من حولنا، خاصة وأن التعاطي مع الشأن العام في بلد صغير كالبحرين تتضاءل فيه حرية التعبير وتغيب فيه مساءل جوهرية تتصل بحياة الناس الأساسية وحقوقهم وكرامتهم ومستقبل ابناءهم، هذا الوضع بكل تأكيد لا يوفر مساحة او فرصا حقيقية امام المشتغلين بالسياسة والطامحين بحق في الاسهام والمشاركة بمسؤلية بجهودهم الوطنية في صنع القرار وبناء مستقبل افضل لأبناء شعبهم ضمن سيرورة التطور المنشودة، وهم الذين تفاءلوا يوما بالخروج من عنق الزجاجة بعد أن كابدوا مرارة وشظف العيش وقسوة الظروف وسطوة قانون تدابيرأمن الدولة سيء الصيت منذ مطلع السبعينات بعد ان عطلت الحياة النيابية، لتستمر حالة المكابدة هذه لأكثر من ربع قرن ضاعت فيها مقدرات شعب وممتلكات وأموال وحقوق وتوقف الزمن وتراجعت الثقافة والأدب والفن وحتى الأخلاق والقيم، مما سمح ببروز قوى واتجاهات متطرفة او انتهازية متهافتة ومتسلقة مستفيدة من حالة المخاض والخوف التي ارهقت بلادنا طيلة تلك السنوات العجاف ولا زالت، وهي قوى تتعاطى مع الوطن باعتباره نهبا، واذ هي كذلك فانها باتت تصيغ تحالفاتها على هذا الأساس ويستفاد منها في نشر كل هذا التشوه وتعطيل عجلة الزمن، حتى اضحت قوى تبتز الحاضر وتغتال المستقبل بعد ان دمرت الماضي الجميل الذي كنا نفاخر به ردحا من الزمن وقد بناه الآباء الأوائل بعرق وتعب السنين وتضحيات الأجيال، لذلك تجدها في سباق محموم مع الزمن للانتهاء من مهمتها المسخ تلك، لأنها تعرف يقينا انها لا تملك مشروعا قابلا للبقاء والبناء والاستدامة.
نحن في البحرين هذا البلد الصغير شعبا ومساحة، والذي لا شك انه يحتل موقعا مهما ضمن المعادلة الاقليمية على الأقل، انطلاقا من موقعه الجغرافي المتميز في منطقة هي محور للصراع والمصالح والتجاذبات الاقليمية والدولية، وبالتالي نحن في بؤرة المخاطر المتربصة بالمنطقة بأسرها، يجب ان نعطى الحق كاملا في ان نقول كلمتنا في الحفاظ على مستقبل ومقدرات بلادنا ضمن قرار وطني تاريخي جريء يجب ان يتحلى بمسؤليتة الوطنية والتاريخية، ويتسع صدره ليحتضن الجميع دون اقصاء او تهميش من احد، ولا يراهن على رهانات خاسرة لم تزد واقعنا الا تشوها واثبتت التجربة انها رهانات مدمرة فعلا، فهذا الوطن لن يرتقي الا بارادة ابناءه وجميع قواه الحية دون استثناء، وهو امر يجب ان لا يسمح بعد الآن ان تعترضه لوبيات المصالح والنفوذ، وعلينان ان نعي ان استمرار حالة المراوحة انتظارا لحلول نحن فعلا نجهل طبيعتها وانعكاساتها على الجميع، وقد تأتي وقد لا تأتي وقد تتأخر كثيرا انتظارا لاطفاء جملة الحرائق المشتعلة من حولنا، بل ما هو مغزى ومسوغ الانتظار؟ طالما كنا نجاهر بأننا نمتلك الارادة السياسية والشعبية القادرة على خلق المستحيل كما فعل شعبنا ابان فترة ميثاق العمل الوطني.
وحدتنا الوطنية هي خيارنا للحاضر والمستقبل وهي قضية لن نمل من تكرارها وقد لا يعجب ذلك من يعتاشون بضجر واسفاف على آلام الوطن والناس، لكنها املنا الباقي الذي علينا ان نتمسك به ونجتهد لتحقيقه دون كلل او يأس فمسؤليتنا عظيمة تجاه الحاضر والمستقبل والتاريخ لن يرحم احدا فلنعتبر من التاريخ.